الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحوايج

هذا الموقع مخصص لاخبار قرية الحوايج التابعة لناحية ذيبان -الميادين -دير الزور
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صدى الزور البعيد ... الفصل 14

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 631
تاريخ التسجيل : 01/12/2009

صدى الزور البعيد ... الفصل 14 Empty
مُساهمةموضوع: صدى الزور البعيد ... الفصل 14   صدى الزور البعيد ... الفصل 14 Emptyالجمعة فبراير 24, 2012 2:01 pm

صدى الزور البعيد ... الفصل 14

يحلم من آن إلى آخر بالفتاة التي تراوده. ويذكر في إحدى الليالي أنها كانت تلتصق به وتراوغ.. حتى اندلقت أحاسيسه الى أسفل بطنه. وتشمم السيحان باستيقاظه، ثم شعر بأمه تنظر الى حجره بارتياب، وانتبه أبوه - بعد انهمار المطر.
معلقاً بين الأغصان.. أوراق الشجر تخفيه عن الأعين، وراعه الخوف، ان يأتي بحركة يفشيها الحفيف، وكان أهل الدار يمرون فلا يرونه، لكنها تراه، من بين خشخشة الأوراق، فيصمت فيها ويحنّ لأن يضمها.
شجرة التوت. أبعدت هدلة يدها عن جذعها، ومرت بين أعمدة الرواق، متجهة الى غرفتها في زاوية الحوش. وجاسر يراها تعبر الرواق معتصبة بالهبرية المبرقشة بلون تلك الذكرى، فحمل على انه سيقوم من مكانه بين المطبخ والبئر، يقوم من المحشرة الرطبة، والتي خالها حالا من الذكرى، ذكرى جاءته عند سماعه صوت الرحيل، العبور الأخير لفرسان (الغروب ) الى ماردين. وقام وراء أمه يمر جانب الشجرة بالقرب من البركة الفارغة، الى زاوية الدار حيث هدلة والمرآة والنافذتان المدهونتان بلون مضطرب.
الغرفة فارغة، مليئة ويلفها الظلام. ورأى نفسه في المرآة يتشوش، وتراءى له أنه سيقوم بالبحث في صندوق شاها، صندوقها الخاص، كي يرى ما تخفيه ابنتها مريم. الصندوق في الغرفة التالية، أودعت شاها فيه حوائجها، واستعملته في المدة الأخيرة ابنتها مريم. لا أحد في الدار حتى هدلة التي دخلت قبله الى الغرفة، لم تكن هي هدله – كانت أنا- ولكي يتأكد من الفراغ، دخل الغرفة، وفتح بابها، ثم جال أركانها، ولقد انحنى بجذعه يستطلع زوايا الدار، وبدا البيت يعكس في صمته طبيعة نفسه: لا أحد هنا، الغرف خالية، اذهب الى صندوقها في الغرفة الوسطى، الغرفة الواقعة بين غرفة هدلة والغرفة الصغيرة التي يدخلون منها الى الديوان الثاني.
ووجد الصندوق المغلق، صندوقا مرصعا بأحجار كريمة، وثبتت عليه قطعة قماش عليها صورة قمر أضاء قافلة جمال تسير الى بيداء ورمال تغطي الهضاب. ولم ير الصندوق في مكانه من شدة الظلام، حتى اصطدم بزاويته اليسرى، صدمة بالغة أوجعت ركبته، فاقتعد الأرض يكظم غيظه، ولا سبيل الى فتح الصندوق الا بهذا الألم! شد على أسنانه، وبطريقة الغضب مد يده الى القفل ففتحه، ثم رفع الغطاء المزركش بالنقوش، وأركى الغطاء على الجدار وتطلع الى ما حواه الصندوق.
انها قطع قماش، ملمسها ناعم ومتين، تتكوم في طيات، كأنها مادة خام لم تذهب فيها الأيدي بعد، تنتظر ان ترفل بالجسد الندي، ان تمتص عبق اللزوجة، وتنهدات من يملك برودة الصباح. فتح الصندوق وراح يحدق فيه، ويقلب يديه، يبعثر أصابعه في نهاياته، ووصل الى جدار الصنـدوق، فتوقف برهة عنده: إن هذا الجدار الداخلي، المتواري عن العالم ان كنا لا نراه من الخارج، فهو جدار مهمل. لم يحدث وفتحت شاها الصندوق في ضوء الشمس، حتى وان كان ذلك، فإن الجدار الداخلي لا يظهر أبداً. هذا القماش تلبسه شاها وتلبسه مريم. ثم راح يطيل التحديق، وأحس بكلتا يديه تنجذبان الى أطراف الصندوق، كأنهما ثابتتان هناك، واذا حاول اخراجهما تقوس الى الداخل، ضغط برأسه على قطع القماش وتلمس بحنو الجدران المتوارية، فتذكر المهرجان، النسوة اللواتي دبكن بفورة ونشاط على طول الشارع العام، يرفعن أيديهن ويترنحن بمرونة، وأصواتهن الآتية مـن هنـاك مسموعة، وحاول ان ينتزع يديه عن الصندوق، وتساءل: لم لا تخرج الجدران الداخلية، هي الأخرى، الى المهرجان؟
عادت مريم، ودخلت الدار برنين حذائها الفضي، الحذاء الذي جذب نظره حين سار وراءها في الطريق الى ساحة المهرجان. حذاء يظهر ساقها. وكلما أطال التحديق فيه، ارتفع الثوب وانحسر. وأمال رأسه الى ناحية الباب ورفع عينيه قليلاً عن حواف الصندوق ليرى، لم كانت الجدران الداخلية لا تخرج الى مهرجان الفرح؟ ان الالتصاق بالجدران جعله وحيداً لا يقوى على الإنطلاق، ومتشبثاً بكلتا يديه، حتى حسبنا ان ذلك من قبيل التقوى والبرهان. وعندما نظر فرحان الى جاسر في إحدى الأمسيات، قال له: مريم كأختك يا جاسر، كأختك في العلوة، فرد جاسر: انه لا أخت لي يا عم، لا في العلوة ولا في أي مكان آخر. وكان سرحان يقول، اذا رأى جاسر مع مريم، وقريباً منها يكاد يلامس صدرها، كان يقول له: مريم كخالتك يا جاسر، ان لم يكن لك أخت فخالة يا جاسر، كخالتك في العلوة. وأخذ جاسر في حسبانه حالة الأرض والمرايا والطبيعة الفاتنة لسرير النهر تمتد الى غياب الشمس، أوحى أن هذه المرأة ليست من لحم ودم ، انها من أحاسيسه العميقة، عندما تميل الشمس الى الغروب وترسل إنبعاثها الأخير. عند الشاطئ، من فجوات الغمائم تخرج حزمتان منفرجتان تخضبان أعماق النهر.
ان الدار فارغة، لم تنته مسيرة الفرح بعد، ووحيداً لا يمنعه احد. يسمع طقطقة الحذاء، يسمع مريم تجتاز الممر في طريقها الى الحوش. ويعلم انه لا أخت له ولا خالة. مريم حين تدخل الغرفة سيدور في خلدها ذلك أيضاً، الوحدة والانفراد بالآخر، في غرفة تلفها الرطوبة والظلام، ستحمل الى الاعتقاد ان ذلك هو الخلاص والطمأنينة، ستجعل أحدهما يرى الآخر عارياً .
عارياً. كان جسده بعد فك النطاق ثم الإزار، مرمي جانب الصندوق، وطبقات القماش تحيط به كشرنقة. وسمع كذلك صوتها العاري وهي تجتاز الممر، وكان قبل ذلك قد لمحها وهو يتهيأ لمغادرة شارع المهرجان، وعلائم القيئ ظاهرة عليه، وربما أحاق به الخوف مما سيحدث في المهرجان، ظن ان عسكر السلطان الذين نصبوا أعمدة المشانق في الساحة المظلمة سيعودون، يعودون ثانية وثالثة، حتى وان فرح الأهالي ورقصت الصبايا، سيعودون، وعندها ستحدث المجزرة. فشعر بالتقيئ وطفق هارباً. كان الطريق الى الدار مضنياً، عبر كتل المتفرجين، يتمايل لفرص النجاة، ويرى أن الانحناء أثناء الاجتياز، بين فرج الأقدام ونوافذ الصدور، سبيل آخر للمرور، فأخذ ينضغط ويتمدد حتى ملك زمام نفسه ولاح له الدرب المؤدي الى بيت فرحان.
دفعت الباب، دخلت الممر تدق بحذائها أرض الردهة المفتوحة على الحوش. ووجدت اليه الطريق. جاسر! مريم الواقفة في الباب- طويلة وتكاد تلامـس أعلىالباب، فرفع رأسه كي يرى الارتفاع، وحجبت جدران الصندوق قسماً من جسدها العلوي، رآه يعوم فوق جدران الصندوق، بينما غاب باقي جسدها خلف أغطية القماش المتراكمة، ومس بيده الاسفل النظري لجسدها الغائب، عند هذا الحد ستكون البطن ويكون الحوض، ثم تأتي بعد ذلك بقليل أقدامها الواقفة على مسند العتبة، ونظر الى الثوب الذي غادرت به الدار الى المهرجان، يغطى الجسد الى ان قلنا ان النحر انحجب بقطعة قماش، انحجب عنا ولم نعد نرى الا الثوب. كنا نتساءل لماذا غطت ما اختفى عن ناظرينا، لماذا غطت بفستانها قيمة الجمال؟ ولقد رأينا البدن العاري، ولم نتخيل ان الافرازات الساخنة تدخل في التركيب النظري للفن، شبكت يديها الى وسطها، كأنها تـريد الابتعاد. وقلنا لها تعالي، هززنا لها قلوبنا: تعالي. من فوق السد ذي الألسنة الثمانية.
كنا نعلم أن أحدنا الى جانب الآخر، وشعرنا بالرضاب يسيح كالماء على أغطية القماش. قالت لنا: مدّوا أغطية الخام فوق أرض الغرفة، مدّوها كي لا تعيقنا الأرض الجامدة، واجعلوا بعضها فوقنا، تحمينا من ضروب الحرارة الخانقة. وحاولنا فك ياقة الصدر، ونزع الفستان ومكان زبونٍ غير ملتبس، وقالت لنا: تعالوا ندخل التجربة الأولى، فوق الأردية وفي ظلام الأغطية.
وذلك حتى انتهى المهرجان. وراح الناس يعودون الى ديارهم. وأخذت الأصـوات تنتشر في الدروب، تردد صدى احتفال بقي في النفوس. وكانوا يعودون، تنسمع طرقات أحذيتهم بوضوح وتتردد في المسامع شحطات الأحذية الرخيصة.
كان يريد أن يمضي أكثر لو لم يدخلوا عليه دفعة واحدة. جاسر الرحبي! فنظروا اليه مبهوتين، كأنهم لا يصدقون ما رأت أعينهم، وتذكروا أنه كان في المهرجان، وتساءلوا هل ترك الاحتفال، يحتمل ان يكون هذا الذي أمامنا طيفاً وخيالاً لجاسر مرسوماً بالمقوى.
ربي ربي، شهقت أمه، وكانت ستصيح وتعول، لكن شاها أسكتتها براحة يدها، قالت لها: أسكتي يما، الوليد تراه صحيح وما به شيء، يمكن لعب الشيطان بعقله. ثم دمدمت: كل الولد ينصـابون بمثل ما انصاب، سرحان وعبد الغني عملوا مثله وأكثر، أسكتي يا هدلة. ثم تقدموا منه، فأوقدت مريم القنديل، ووجدت شاها نفسها تقول لمريم ولبقية الأولاد: كلكم الى الديوان، وما أريد أحد هون حتى أنت يا مريم، عيب ونريد نعرف شكون به الولد؟ فضحكت البنات، تراجعن خلف بعضهن، ولمزت عفراء مريم، قرصتها من خصرها وأومأت: شكون يسوي جاسر بغرفة الملابس، فاتح صوان شاها؟!
وكانتا غارقتين مهولتين بما أصاب جاسر، تتهيب كل منهما النظر الى الأخرى، فما الذي جرى؟ لماذا فتح صوان الثياب وأخرج منها الثياب؟ وقالت شاها: ولدك أصبح شاباً يا هدلة. وردت: نكتم هذا يا شاها، لا يرضى بذلك عبد الله ولا فرحان.
كان يطوف في الرذاذ العالق بالنقوش وبأحواف المخرمات المطرزة. وفرد الألعاب بجانبه، نثرها حوله وتمنى أن تختار ما يناسبها، واذا كانت الساقان طويلتين على مقاس الأقمشة، والصدر ناهداً في ياقة الفساتين، فإن ذلك من ضيق الجمال بالجسد. قال في نفسه: هذا المكان الخصب فيه من الحرارة ما يقتل، تعالي نتعارك على أرض واحدة، أراك كما أريد وترينني كذلك. اقترب منها يطوق شعرها المسترسل، أرسل يده الى يدها الموسومة بطيات قماش الخام، وجعل يقارن جسدها بجسده الى أن أحس بالحرارة تنساب داخل فضائه المغلق، وعندما سرت المباغتة لتظهر تراسيمها الجديدة، كرر في لحظة: أين كانت تختبئ هذه البصيرة، لم أر قبلاً ما أراه الآن، لقد تمدد العالم، وظهر لي ما أرادوا إخفاءه عني، الملاعين، ما زالوا يحتفلون بالعيد كما يحلو لهم، يرقصون ويراقبون من يشتهونهم. فأبعد يديه عن جدران الصندوق ورمقها بنظرات شاحبة.
تذكرتْ مريم، بعد خروجها من غرفة الملابس مع بقية الأولاد والذين تخيلوا بدورهم ما كان يفعله جاسر هناك، الابتسامة التي اعتلت وجه عفراء وسؤالها بخبث عما كان يفعله جاسر في صوان الملابس، ثم التجهم الذي اعترى ملامح أمه وأمها بعد خروجهما من الغرفة منهكتين، وآثار التطير بادياً على وجهيهما، فلم تكلما أحداً، بل راحتا تزجران النظرات المرتابة والمتسائلة. وسمع من كان قريباً من الام نداء مهموماً، دمدمة تخرج من شفاهها بحرقة ويأس: الر .. بة .. نجم و .. عايـ .. الخضـ .. الهواشـ .. طالما. ورأت مريم ورأت هند اللتان استرسلتا في الاستفسار عن الأمر بصوت تحمل عباراته تأنيب ضمير، عبرات هدلة تلمع في ضوء القنديل. كانت تشهق بعمق مجروح، فشلت فيه كل المحاولات لتفادي ما نخشاه وكانت المصطبة ...واذا حاولت الصبايا تجاهل ما حملني على ما أنا فيه، يهربن من التقاء نظراتي مع نظراتهن، فيستدرن الى جهة أخرى، فإنني لن أوقف هذه المشاعر، انها وحدة طارئة اخترقت أحاسيسي: هذه أمور تجوز يا هدلة. كما يرى سرحان الذي ابتسم عندما سمع ما قمت به، وابتسم كمن يتذكر مغامرة سرية لا عيب من تذكرها الآن، وهز رأسه ومضى يومئ بأن الفتيان يستهويهم اكتشاف ذاتهم بأنفسهم، فلا خوف.
المصطبة هناك، ولقد جلس عليها عبد الغني، في غرفة الديوان الثاني هناك مصطبة، في دار فرحان – هناك في الدير .. يا هدلة .. بئر ومضخة وبركة ينزل عليها الماء والعصر والخريف من فوق الأسطحة، أسطحة المرافق، مرافق حمزة المجدل، في غرفة الديوان. لم يعلم الرجال بما فعـلته، اكتفى عبد الله بأن نظر إليّ، واكتفى فرحان كذلك، ولم يعرفوا ما فعلت، أمي تقول، ولدي الوحيد ملقى في أرض الغرفة وعلامات الوحدة بادية عليه، وانه لن يظل معنا أو مع نفسه بعد اليوم.
هدله تفكر أن أطيافي واضحة للعيان، كنت منفرج الساقين عارياً وتبدي كل شيء حتى ابتلعت شاها المطر رحيق الشهوة. جاسر! هذه الكثافة والدغل المستتر عنا منذ يوم المطر والنزول المروع للسماء وشممنا رائحة الود فشخب ريقنا ورحنا نتصنع المضغ، الجوى والصدى، لإبعاد الشبهة عنا، يا ولدي. عبد الغني كان يتسلى في مراقبة زاوية السقف، والظلال العاتمة المتحركة مثل فرجة أنثى، تتبدى له، هو مثلي الآن، لكنه صامت لا يثير الشكوك، حتى ان جسده مغطى بالقماش فلا ندري كيف سيكون غلام عبد الغني، كثيفاً أم غير ذلك؟ يستتر بالكلابية وقد شدها بين ساقيه كصفيح صلب. وكان الى يميني، يضع أصبعه في فمه: لعلني بريء من فعلتك يا جاسر، ثم لا أعرف ما تعرفه، لم أدخل الى غرفة أمي الشاها منذ وعيت، كانت مغلقة أمامي، وصوان الثياب.. كل النـاس عندهم ثياب، لا أذكر مرة انني افترشت ثيابها في الأرض، ولا أعرف ماذا تلبس الشاها، أرى ثوبها يغطي كل شيء، عنقها الى أسـفل الكاحل، جسدها الأبيض.
كانت مريم تسترق النظر إليّك يا هدله، عيناها تقولان: ألم تهدأي يا عمتي؟ هي قريبة الى قلبي، وأعرف انها تحبني، قالت مرة أن أنفي يشبه أنف أمها الشاها، أنفي أشم، ولي ذات العينين. أكاد أقول انني أشبهها. مـرة كانت ترسم بعينيها وجهي دونما قصد، غارقة حتى نبهتها شـاها قائلة: الى أين يا مريم تنظرين، أين تسرحين؟ وأعرف ان الرعشة سرت في أضلاعي حين نقلتني من نافذة الغرفة الى الحوش الغارق بالماء، وكنا نخوضان معاً مخاصرة، في أرض الحوش، وفينا طبيعة النزول المفاجئ للنهر، غرزت أصابعها في جنبي وغابت عني يدها المغمورة بالماء والجسد.
ويوم وقفت عند بسطة الدرج تستمع لروايتي عن النزهة والمباغتة التي دفعت بحمزة المجدل الى قذف نفسه في النهر دون تجنب شوك الحويجة، اقتربت مني حتى مسست إهابها وأنا أشرح لها كيف حفز حمزة كالمجنون باتجاه النهر. وكذلك يوم أنزلتني من نافذة الغرفة الى الماء، لمست ساقها ووقفت برهة صامتا لا أتحرك. ورحت أتذكر أيضاً وهي تستند الى المصطبة التي جلس عليها عبد الغني كيف لمحتني وأنا أنظر الى ناصح في ديوان فرحان، ناصح الذي راح الآن يرتفع في حسبان أبيها، كنت أزوي عيني وألوي شفتي قبالة ناصح الخلف، ناصح الخلف الذي قالت عنه شاها انه شاب مناسب وأخذت مريم تتساءل، بعد هذا، من الذي اختنق صدره وانتفخت أوداجه، عندما ألبسوه فستان المهرجان، هدلة أم جاسر؟ وأنا ملقى أمام عينيها، في أرض الغرفة، عارياً مضرجاً ولفافات تستر ساقي المثنية على الموت الذي ألمّ بي.
وسوف تتراجع مذعورة، ويتمثل لها موتي في أرض الدار، هذا الموت البعيد الذي انتزع منها المكابرة. ولقد امتدت الأرض أمامها، أخذت تتكون عن بيداء لا تنتهي، أحست بنفسها تتخبط على غير هدى، تسير ضمن الجزع الذي هبط عليها، طالما تنقل ساقيها المنحلتين أمام المطاردة العاتية، الرياح المشابهة هوشت جدائلها ومزقت لفعتها، فارتبطت بالأمل المستحيل، أمل الأفق لأرض التبدد والفلتان، وراحت ترى الخوف المرتقب رغم ما سمعته من عفراء: شكون كان يسوي جاسر، فاتح صوان الملابس؟ يؤكد الخوف على حياة المرمي في أرض الغرفة جافاً متشنجاً كالمومياء، وبدا لها لطيم هدلة آتياً من باطن مفازة، لا يهدأ ويشي بالرحيل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhawwaij.ahlamontada.com
 
صدى الزور البعيد ... الفصل 14
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صدى الزور البعيد .. الفصل ( 19 )
» صدى الزور البعيد ... الفصل 17
» صدى الزور البعيد .. الفصل ( 18 )
» صدى الزور البعيد .. الفصل 13
» صدى الزور البعيد .. الفصل 12

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الحوايج :: الفئة الأولى :: منتدى الادب والثقافة-
انتقل الى: