الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحوايج

هذا الموقع مخصص لاخبار قرية الحوايج التابعة لناحية ذيبان -الميادين -دير الزور
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صدى الزور البعيد ... الفصل 15

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 631
تاريخ التسجيل : 01/12/2009

صدى الزور البعيد ... الفصل 15 Empty
مُساهمةموضوع: صدى الزور البعيد ... الفصل 15   صدى الزور البعيد ... الفصل 15 Emptyالجمعة فبراير 24, 2012 2:21 pm

صدى الزور البعيد ... الفصل 15

حسبت شاها ان الأمر وقف عند ذاك الحد، وراحت تؤنب هدلة على همها الموهوم في كل مرة تراها سارحة، فتقترب منها، وتلمس يـدها: قولي لي يا هدلة .. أنا لست غاضبة .. جاسر كإبني. لكن هدلة تعود الى حيث كانت، تغرق في همها ثانية، فتدرك شاها ان كلماتها لم تؤت ثمارها، هناك ما لا تعرفه، يقلق هدلة، ويبدو أنه أكبر مما ظنت.
وإن كان الخلاص يأتي عن طريق الزواج يا هدلة، فالبنات كثيرات، إسأليه أيهن يرغب. هناك من تزوج في عمره، والبعض تزوج أصغر من ذلك، الزواج يا هدلة يهديه الى الرشد، يتجنب الأفعال المشينة التي يقوم بها، ويصبح رجلاً يعتمد عليه، على الأقل يهديه البيت الزوجي الى الصواب. لكن هدلة ظلت صامتة. فالأمر غير هذا وذاك، فهو شيء عميق. يا هدلة اسمعيني، محنة جاسر هي محنة سرحان، محنة الأولاد كلهم، واذا كان غير ذلك فما الأمر؟
وحاولت هدلة شرح مخاوفها لشاها، مخاوفها الناجمة عن وسواس لا يزال يؤرقها، فالعمر الذي يجتازه جاسر يوافق سن أخيه محمد عندما طوحه الصداع لمدة أسابيع، شيء وحيد فقط كان يخفق بين أضلاعه – وكنا نرى قلبه يرتعش بين الفينة والأخرى حتى نادتنا فاطمة من فوق الجدار الذي يفصل بيتنا عن بيتهم، فتوقف عندها القلب وسمعنا صياح هدلة وجدته وزنة ثم غابت عنا فاطمة، اختفت خلف الجدار، وسمعنا بدورنا صوت ارتطام الجسد النحيل بالأرض القاسية، وكان الصوت كالطبل، ولقد انزلقت عن أحجار الأثافي التي رفعت فاطمة فوق الأفق، وأحسسنا بالحجر والأرض الصلبة والجسـد في حال اللاتوازن- وكان بعد سنوات، أخوه حسن الرحبي، في بلاد الشمال في نفس العمر، قلب الأم لا يخطئ، في نفس العمر، خرج حسن من عند جدته وزنه أصغر سناً، وكان أمامه أقل من حول ليصبح في سن أخيه محمد. والآن جاسر يقترب من سنهما. وهكذا تذكرت، تذكرت هدلة أخاها عايد الخضر، تذكرت الهيلوان.
لكن جاسر ما زال عفياً، لم يند عنه ما يدفع الى هذا الوهم، خرج من غرفته ودخل الى المطبخ. امه وشاها تجلسان أمام ( وجاغ ) الفرن، وكان ارتياب الشاها قد زال حين لحظته يقترب. وما بالك يا هدلة .. ألا ترين ولدك بكامل صحته ونشاطه.. كبح الله الوسواس، كنت مثلك أتوهم مرضه، الفتى معافى، أنظري اليه. واستبقته شاها: أهلاً يا جاسر.. شلونـك زين؟ فهز رأسه وقال: يُما يريدك أبوي. وردت عليه شاها: أريدك تقعد بسدّي الى ما تجي أمك .. أحكي معك كم كلمة. وجلس جانب شاها علىمقعد خشبي صغير،ن مرتبكاً محرجاً بينما خرجت أمه من المطبخ وتشاغلت شاها، لتذهب عنه الحرج، بتلقيم الفرن بشدف الخشب وهي تقول بصوت مسموع: كادت النار تنطفي. ثم استطردت: شكون يا جاسر ما تحب هذه الأكلة؟ فرفع رأسه علامة الإستفسار ثم سأل: شنو اسمها؟ فأجابته: سنبوسك .. يمكن ما تعرفها.. هذه العجينة نحشيها باللحم المفروم.. تستوي وتتقمر بالفرن، وبعدين تنأكل ويّا اللبن. كانت نار الفـرن تنير شاها بطيف حسبه منذ رحلة النزهة، استعاد في لحظات شعوراً اعتراه حينما اصطدم بها جانب باب الديوان، وند عنها أثناءها آهة خيلت لجاسر كيف كان صبا شاها، يركض في النسغ والشرايين كالرحيق. لقد مررت بصبا شاها! مررت وأعتقد انها كمريم، شاها في مريم ومريم في شاها. وقال لنفسه : اذن انا أجلس جانب مريم. ففتحت فمها باستغراب وتساءلت: ماذا يريد مني الفتى؟ أمام الفرن وكان وهج النار يسري اليها فيخيل اليه أنها تناجيه بالوحدة ذاتها. وراحت عيناه تذويان الى النار. ولاحظ انه قريب منها، وتكاد ركب السيقان تتماسان، فسرت فيه نشوة الإقتراب، نشوة الإلتصاق مع الآخرين تحت الأغطية، نشوة التداني عند الجلوس في كرسي صغير أمام موقد المطبخ. وظن لوهلة ان باستطاعته التخلص من ثيابه رغم برودة الطقس، فالدفء في المطبخ أمام ألسنة النار التي تغيب في عنق الفرن، ثم تظهر، يجلب الرضى ويلغي فارق السن، لذا باعد ساقيه واقترب من شاها فوضع راحتيه على ركبتيها. ولم يكن يتمنى سوى ماء الحمام المجاور، الماء الساخن. يسري الماء من مكامن النار، الى الحمام، عن طريق بابه الداخلي، ومن خلال النافذة الزجاجية المطلة على المطبخ، وكان باب الحمام المغلق قبالته ووراء ظهر شاها التي تناولها سحر الزيغان. ورأى للمرة الأولى زغب ساقيها، لمحه عندما استدارت شاها الى باب الحمام، تتأكد إن كان مغلقاً أم لا، ورأت في عينيه ما دار في خلده، فحدقت الى ثوبها المنحسر وقالت في نفسها: فات وقت العقيدة، مر أسبوع على وقت المرد وما فطنت! وحدث نفسه: اذا كان شعر ساقيها كثيفاً، ففخذاها كشأن ساقيها، فخذا الشاها غير أملسين! اعتقد ان الزغب في جسد مريم لا مكان له، فجسد مريم أملس. وراح يتلمس الشعر حول ركبتي شاها بنهايات أصابعه، لعله يشعر بالجسد المستدير الى باب الحمام المغلق، كان يتلمس الشعر من فوق الثوب المنثني. وفخذاها سمينتان كآليتي رجل، رجراجتان، حتى زحف فوق الثوب المنثني، بأحاسيسه وما تبقى من راحتيه الملتهبتين.
ان جاسر مريض، مريض في الحب و ( الذاكرة ) و ( الزمن )، لم يميز شاها عن ابنتها مريم! صرخت شاها. كانت يده متوغلة في الفرق بين شاها وبين مريم، يقارن الإبنة مع أمها، هذه مريم وهذه شاها! ولماذا تفرقينني عن فرحان وعن سرحان؟ لست إلا هما يا شاها. أنا فرحان الشاهر ابن هدلة الخضر! وضحك في فمها المطبق على صرخة لم تخرج، أطبق على شفتيها وتذكر ليل النزهة والقمر وبسطة الدرج بمحاذاة الإبنة، ويده لا تكاد تنزل عما اشتهت أعماقه الدفينة. وبدا له الدخول الى الحمام يمر عبر باب المطبخ، فيواجه عندها الفرن، ثم ينحرف الى اليمين يفتح الباب المغلق، باب الحمام. وقبل هذا أطل على المستحمة من خلال نافذته الوحيدة المشرفة على المطبخ، صعد على الكرسي الصغير جانب الفرن، وأزال ستارة النافذة وراح يرى الى الجسد الغارق بسنا النار. وقال لاهثا: لماذا لا ندخل الى مغطس الحمام الدافئ اذاً؟
لن يضيرك شيء، تتذكرين سنوات الطفولة والشباب، ولا تخافي، لندع مجيء هدلة محكوماً بالصدف، صاحها أبي عندما كانت تجلس بقربك أمام موقد الفرن. اما باب الحمام الذي طلبه فرحان ان يكون في داخل المطبخ، إتقاء لبرد الشتاء، في الجدار الداخلي، فيدعوا المرء الى البهجة، حيث يصدمنا بخار الوهج حين نفتح باب الحمام فجأة ونحن لم نزل في أرض المطبخ، فيختلط بخار الحمام ببخار الفرن. ونظرت اليه شاها، نظرت طويلاً وهو يتلوى. لم تكن الحكاية كما فهمتها شاها، لقد التبس عليها ما صدر عنه. نظرت الى وجهه المخنوق وقالت: يا بني قوم، قوم وصيح أمك، أمك هدلة لزوم تعلم بما يجرى عليك.
خيالها كان مرسوماً أمامه حين وقف وسط الحوش مردداً: هدلة يا هدلة تريدك الشاها، الشاها تريدك يا هدلة، اطلعي عاد من عند عبد الله: ان الشاها تريد أمي الهدلة، عجب! كانت هدلة هنا قبل مجيئي، لماذا لم تردها حينها؟ هذه المرأة لها طبع غريب. وكفن يديه تحت حزام كلابيته وبدأ يتحسس بأنامله أمعائه الساخنة ولفظ بخار أنفاسه ثم شهق هاجساً: عند الميعاد، يجب عليها الحضور، لأن الحوش واسع لها، غير ضيق، فيه شجرة التوت ومضخة المياه والبركة .. وان كانت ستتشبه بمريم او ب / هي / فإن ذلك لم يعد ينطلي علي، وكشفتك ايتها المدهوقة .. مرة تظهرين وكأنك شاها المطر ومرة كأنك هدلة وأخرى كمريم ، وأخشى أن أكون أنا أنت، فأبحث عني في كل الزوايا، في الغرف والصناديق والحمامات والمطابخ، أبحث عني في قعر كل آبار الدير، لكنني سـأعرفك، سأسدد يدي إليـك، وأقـول بصوت عال: أنت، أنت هي. ومهمـا يكن فإنك حين تأتين وتمثلين جاسر، انك جاسر، فسأعرف أنك هي، لأن جاسر لا يتحول إليك. وصاح بصوت عال: أنا جاسر الرحبي. فسمعته شاها وهدلة، سمعته مريم .. وكل الذين أشرعوا نوافذهم وطفقوا يضحكون مستندين على الحواجز والمرافق.
أيكون قد فكر بذلك حقاً؟ وقف وسط الحوش يصيح هدلة هدلة هدلة، وغرة شعره منفوشة عن شماغه بفوضى وغباء، ويداه مدفونتان تحت حزامه الأحمر، وانتصابته المائلة تقول: ما عاد الحوش يِسَع يا هدلة، ما عاد الحوش يناسب، الكل يحقـد علينا تعالي نبتعد عنهم، يريدون موتي يا هدلة، يريد أهل الدار ذلك لي ولك، ربما ستأتي شاها ومريم معنا، سنبتعد عن أهل الدار، ولا ندع فرصة واحدة لهم.
وخرجت هدلة من المطبخ تركض، واستفسرت بحرقة: جاسر!؟ فرد عليها حانقاً: شنو؟ ليش يضحكون عليّ الكلاب .. الزنوات .. امهاتهم وابهاتهم.. ليش يتكهكهون.. شنو لهم عندي؟ ثم نظر اليهم يصيح: أنا مضحكة أبوكم؟ شوفو اللي ما يفوت الى داره ترى يسمع كلام ما هو زين، ياللا تا أشوف. كل يوم عاملين عرس عليّ، شنو !؟ وأمرت شاها بصوت رجولي أهل الدار: فوتو كبحكم الله، شكون بكم، شكون بكم؟ عجيان وعجيات كلكم الى البيت وما أشوف واحد رافع راسه. ثم قال جاسر لشاها: شوفي يا شاها. فقاطعته هدلة بحزم: عيب يا ولد..عمتك أم سرحان .. تناديها .. عمتي .. يكفي هبال ول! ياللا فوت .. تعال يا أبو محمد خذ إبنك.. زيادة يا عبد .. هذه زيادة يا عبد!
وانزوت هدلة تبكي كما لم تفعل من قبل، واذا جاءت شاها تهدأها، سمعت دمـدمتها: هذا كثير يا أمي.. زيادة يا أمي.. وما عاد طاقتي تحمل.. زيـادة. تالي الوليـد الـلي ظل عندي انهبل. وهذا ليس كل شيء، عبد الله الرحبي لا يهمه غير العمل الذي كلفه به مهيدي، وراح يقضي وقته في حسابات لا تنتهي: حقق السمن الصافي، وحقق السمن المخلوط، جزز الصـوف، وأنواع التمور وأسعارها، وكمية السمسم في المحال والثمن الحالي لها، وراح في المدة الأخيرة يقضي وقتاً إضافياً في تجـارة الدواب، الجمال والحصن بأنواعها. ورفع صوته في داخل الغرفة يقول: ما أقدر أجيء لحظة على هالبيت .. تخلقين ألف مشكل ومشكل يا هدلة، شنو انا فاضي لك ولولدك؟ وردت هدلة بغصة: أعمته المصاري .. عمته الفلوس .. هي تدخل يد ابن آدم وتخليه بخير؟! تالي الليل مشغول عنا بعدّ المصاري .. وبالنهار يطلع من الفجر الى "الماقف" وما يرد لحين العصر .. ومن العصر وطالع بالديوان أو مع ربعه .. ما يبين علينا قبل العشا .. يقضي الليل يعد الفلوس الملعونة. وقطع عبد الله فسحة الدار مشيراً الى جاسر: اطـع أمـك يا ول .. ما ني فاضي ها. ثم وقف أمام مدخل الدار تحت الرواق: يا هدلة ماية شغلة برأسي، وانت ما عندك غيره ..
شكون؟ ثم زم سترته فوق كلابيته وعدل العقال واختفى. وتلفتت هدلة الى شاها التي قالت، وشعوراً متبادلاً يغمرها: أين تروحون، تغيبون كل النهار؟
وخرج صوت عبدالله من الغرفة يؤنب ابنه: يا ولد يا جاسر .. عيب .. وتسب من، أولاد عمك يا أحمق؟ أسكت يا ولد، يا صغير. ورأى جاسر والده واقفاً في فتحة الباب يقول له: قلنا أنك صرت زلمة وكبرت، شكون لسة ما عقلت؟ ودمدم جاسر بغضب: ما تشوفهم، هم اللي كانوا بادئين .. ما كلمتهم والله لا بشين ولا بزين! وعاد عبد الله الى الغرفة ثم خرج قاطعاً فناء الدار غير آبه بما جرى، وقف في بداية المدخل يفسح المرور لمريم التي خرجت من الديوان تحمل دلتي القهوة.
فتقدمت منه شاها قائلة: يا جاسر أنت يا ابني ما عدت صغير، اليوم ما في مانع، بس باكر تروح مع عبد الغني أو مع سرحان، وما نرضى ترجع مثل كل مرة، انت هسع رجل ووجوب تتعلم.. تشوف لك شغلة، اما تظل مقابل الصغار والنسوان، ترى طول عمرك ما تصير زلمة، سمعت؟ فهز رأسه وقال: أروح ويا سرحان وما أظل مع عبد الغني، بس يجي عبد الغني الى سرحان أترك وأجيء يا هدلة الى البيت. فقالت شاها: لأ، تظل مع سرحان حتى لو كان عبد الغني هناك، ظل معه ولا تتركه، مالك علاقة مع عبد الغني، يجي يروح شكون دخلك؟ فأجاب جاسر: هو ابن عمي صحيح، بس هو دائماً شنو عملت وشنو سويت وليش هذه ما بمكانها، وما تعرف تقص ولا تقيس، ما تعرف ترد طلب ولا غيره، هو يكرهني. وكررت شاها: من باكر يا جاسر .. وانا أحكي مع عبد الغني تا أشوف.
النوم. فيقضي المرء عمره نائماً، تحت اللحاف، يتوسد هواجسه، ويحلم. وفي الشتاء البرد والصقيع، الهواء يلفح الوجوه …الى الضحى. وندهت: كفاك نوماً، طلع الظهر! ترى سرحان ينتظرك في المتجر يا جاسر، كفاك.. الرجال راحت الى أشغالها، ما ظل أحد في البيوت. ورددت في نفسها: يا ربي شنو أعمل مع هل ولد، تراه راح يجعلني خراب؟! وسمع صوت شاها قادما من طرف الحوش: شكون لسة ما فاق، أفوت عليه تا أشوف ليش ما يفيق؟ وفتحت الباب بقوة، سمعها بينما أخذ يتكور ويدفن رأسه تحت الوسادة، وكرر في أعماقه: ول .. إنها داخلة. ورفعت شاها صوتها في وسط الغرفة: أعطيني العصا تا أشوف ليش ما يقعد هالكسل.. ليش؟ ورفعت عنه اللحاف وقد زمت شفتيها وقطبت: شكون يا ولد اذا أمك تدللـك، عندها تتدلل .. هون ما بي دلال.. ياللا اقعد مثل أخير آدمي. وكشفت عنه اللحاف، وجدته نائماً على بطنه والوسادة فوق رأسه، قال: اسمعي، اتركيني أنام.. والله وجعان وما أقدر أفيق. رفعت عنه الغطاء وثبتت يديها في كتفيه ثم هزته بعنف وقلبته على ظهره قائلة: أقعد مثل بقية الناس.. بكل الدير ما ظل أحد نائماً.. ياللا. ولمحته، أو ان الانحراف أصاب ناظريها، وقعت عيناها عند ساقيه، هناك كان منتفخاً وبارزاً كخيمة، فتوقفت وَثَنَتْ لبرهة، وقد غلبها الخجل، ثم غالبت الحياء وتبسمت وهي تنقل بصرها الى وجه راح يحتقن، قالت: شكون يا ول .. عكروت بمن كنت تحلم .. ياللا قوم. ورفعت صوتها الى هدلة التي دخلت الى الغرفة: شكون يا هدلة، الولد كان يحلم بالعروس .. نزوجه باكر أخير!
وكان النهار في بدايته، هذا الحمل الثقيل، وانتابه احساس المضادة: في وسط النهر، ان يقوم سباحة ضد مجرى الماء، وان كان سيطفو فوق موجة وموجتين، يعبرها مناحرة، فإن الموجة التالية سترهق قواه، إما تبقيه مكانه واما تدفعه الى الخلف، والموجة، لها ظهر عال، ظهر طويل.. سيعيد القفز كرة أخرى، لأن فواز عندما ينحني، لا ينحني كما يجب، فقط يميل بجذعه الى الأمام، الى الأمام قليلاً، وانه يزغل يا أخي، هذه ليست انحناءة أبداً، تقلص كتفيك دون احناء ظهرك. اننا لا نستطيع القفز بهذه الطريقة يا فواز. ليكن ظهرك عموداً على الساقين، قاطعاً للحوض، ويستند بالساعدين على ركبتيك، لتكن قدماك فوق الأرض ثابتتين، قويتين. فتتلقفني الأرض حين تزيح ظهرك وأنا أقفز، فأقفز فوق فراغ الأرض الصلبة جاسية القرميدا الصادّة الرادّة – الدارة قرميدا رحلنا نزلنا بدار جديدة .. عمي فرحان مرحان اللي يطعم ابنته شحمة لحمة يا منقاش الله تكون بهذه النقطة. اه.
أقول لا أريد الذهاب الى المتجر يا هدلة، لا أريد لا أريد. كأن وقت أروح للمتجر تطلع مني روحي، ما أريد. فقالت شاها: والله اللي يسمعك يقول هذا بنية، شكون بك!؟ الشباب كلهم يشتغلون، صير مثلهم. لأ، اشتغل غير شغلة إي، بس روحة للمتجر ما تصير أبد. اه.
ووقفن للحظات، كانت هند خلف شاها ومريم خلف أمه، سكن الجميع في هيئة تمثالية، حتى الشجرة امتنعت عن نقل الرطوبة وعن الحفيف الأجرد، وتوالت في ذهنه تيارات الماء والرذاذ، واين نقل بصره، كانت هند كالأفق الخلفي، بعيدة عن أمه وعن مريم وشاها، رأى الأنف الحاد يشير اليه: ما تقدر تقفز الى رطوبة المياه، الأنف والحنك بارزيـن كمحراث. بارزين. ورفعت ريح الصمت ذيل فستانها الأحمر، ورأى هناك أنفها الطويل، يمتد حتى الكعب، ويناط بخيشومه أرض الدار المبلطة. وراءه أو أمامه، عندما يزوي عينيه، تتبدى له بأنفها، اينما وقف واستدار. وحاول وضعها خلفه، يخفيها تحت الدرج، في ظلام لا يـراه أحد.
لقد دار نصف دورة، ولبث قليلاً بمكانه يتصور كيف ينظرون اليه، من الخلف، غير مكترثين لاختفاء هند، تحت الدرج جانب باب الديوان المغلق بالرتاج، وفكر ان يستل نفسه من بينهم، يقود خطواته بحذر الى طريق الدرج والممر المغلق، ليرى ان كانت هند هناك أم لا، قبض أذيال كلابيته وانحرف الى الرواق، ثم دار الدورة، وجعل يتحرز في نظراته .. وخطواته .. رويداً ... رويداً، وكأنهم. ( جامدين ). ومريم ظلت ساهمة الوجه، وهدلة الخضر، بعصبتها المرفرفة مثلت له مومياء تشير الى الحركة المستحيلة، وشاها التي كادت ان تصل الى بدايـة النطق والتحرر من الوقوف، مثلت له المعنى بين حركة الوقوف وبين نطق الصمت. ورفع أذياله تشده الرغبة في اكتشاف الإختبـاء المدون في ذاكرته، فمال الى اليسار، واجتاز صمت الحوش وسكونه، وأراد ببـطء وتمهل إنزال المفاجأة، فالتصق على سور الدرج وراح يتسلل الى الفجوة التي اختبأت فيها هند. وانتهز فترة غفلتهم، سيقوم بالنشاط الإنساني الجديد، الجديد منذ الهطول الماضي، فوضع مزيداً من أذيال الكلابية في فمه المبلل بالرغبة والخوف، وراح يتقدم الى الفجوة، أمام الباب المغلق وأسفل الدرج. ووصلت الى مسامعه ضربات قلبها، أسفل فستان صدرها الخائف، وقال بخفوت: اذن مختبئة هنا. هند يندف صدرها فيزداد جاسر ثقة ورجولة، ولا يلتفت الى الخلف أو الى الأعلى، وإن كان الناس يراقبون ما يفعله.
سمعنا صراخها الكتوم، ولهاثا عاجزا لا يعرف الدخول.
فتمتمت شاها المطر: هند! قتلتها الواقعة فخانها الصوت، تمتمت تحت طوفان من الحمى: مستحيل .. ما.. برنزة .. هلب .. ذبح دمها. واتكأت على هدلة ثم غابت عن الوعي. واندفعت مريم، بين أمها وبين ما رأت أسفل الدرج، اندفعت كالهبوب باتجاه جاسر، فرفعته من قذاله ثم لكزته بقوة الى الخارج، وتفحصت بقلق أختها، وحملقت الى المكان حتى تبينت الإغماءة التي طوفت مدارك اختها ونشجت برعب: يا مسخمين على هالسالفة، أركضي يا هدلة واغلقي باب الدار، لا أحد يفوت وننفضح. لكنه التقط شماغه ورمى على جسده أطراف كلابيته وانطلق على وجهه دون سمت ولا منحى.
دارة قرميدا رحلنا نزلنا بدار جديدة عمي شويخ لويخ اللي يطعم ابنته شحمة لحمة يا منقاش الله تكون بهذه النقطة. اه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhawwaij.ahlamontada.com
 
صدى الزور البعيد ... الفصل 15
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صدى الزور البعيد .. الفصل ( 19 )
» صدى الزور البعيد ... الفصل 17
» صدى الزور البعيد .. الفصل ( 18 )
» صدى الزور البعيد .. الفصل 13
» صدى الزور البعيد .. الفصل 12

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الحوايج :: الفئة الأولى :: منتدى الادب والثقافة-
انتقل الى: