الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحوايج

هذا الموقع مخصص لاخبار قرية الحوايج التابعة لناحية ذيبان -الميادين -دير الزور
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صدى الزور البعيد .. الفصل الثامن.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 631
تاريخ التسجيل : 01/12/2009

صدى الزور البعيد .. الفصل الثامن. Empty
مُساهمةموضوع: صدى الزور البعيد .. الفصل الثامن.   صدى الزور البعيد .. الفصل الثامن. Emptyالإثنين فبراير 20, 2012 1:40 am

صدى الزور البعيد .. الفصل الثامن.


خفقت قلوب الثلاثة وهم يغادرون العلوة. وشيئاً فشيئاً راحت أعماقهم تترح الى المكان الذي تركوه. وحين غابت العلوة وراءهم، برز العالم الساكن فيهم، عالم الزمن الماضي، راحوا يحدّون من نماء حنينهم، ويشدّون على نواجذهم. وكانت النظرات العتوم التي تنتقل بينهم تعرض عدم الرغبة في الإفصاح عن الوطان والحنين.
اقتفوا أثر العربات والقوافل، وكانت العربة التي تنقلهم، تئن تحت وطأة الكباد الذي أصاب راكبيها. تدور العجلات ببطء وعجز، حوذيها يترهل في كرسيه، ينود في الطريق الممتدة. وقدر جاسر الرحبي أن العالم الجديد الذي سيصله، عالم بعيد، لا يقدر على ملاقاته. سيركض في طريقه اليه، يمد خطواته تجاهه: من يملك ذلك العالم الملقى على بسيطة الضفة؟ - فبعد الزمن الذي امتلكه في سنوات الطفولة / ولسنين طويلة قادمة / يمد خطواته ويفتح رحاب صدره لهم، لكنهم، على بعد قليل منه يغولونه في دوامة الشارع، فيسمع من بعيد صوتاً يستحثه على المضي: أهرب يا جاسـر. لعله صوتها، هدية السماء- مريم، ولو تأخر قليلاً لما كان بعدها. قدر أن العالم الذي يرحلون اليه عالم واسع، كل الأرض الباقية. وكان قريباً منه .. يبكي، فنهره أبوه: يا ول تبكي مثل العجيان.. عيب، هذا أخوك ما به شيء، عيب دوخة بسيطة، صير مثل الرجال. فردد في نفسه، على ظهر العربة: أي مثل الرجال. غير أنه لا يحتمل ثقل فواز في لعبة الصميمة. يقول جاسر لعبد: نخّي شوية يا عبد. فيرد عليه فواز: اذا ما تقدر تنط يا جاسر، فنخّي انت. اللعبة على أمك:
بكـارة بحجولـها جولـني ما جـولها
حط الزعر فوق التل جت حميمة تـتفتـل
تتفتـل عالهيلـوان

منذ الصباح وقبل أن يغادر العلوة، راح جاسر يتأمل الأمكنة، الأسيجة والدور. تمعن في الغرفة ورأى إلى أمه وهي ترتبها وتنضد أثاثها، لتحتمل العزلة الطويلة، فأزاحت الصندوق الذي احتوى ذكريات زواجها وشبابها الى وسط الغرفة. ورمت غطاء أسود على وجه المرآه التي تذكّرها بوجه عبد الله أيام الشباب والفروسية. ووضعت حجارة النفتالين في تلة الفراش ثم جللته بجلالة خضراء.

اتجـه الى غرفة المونة، هذه الغرفة التي ستصبح، حين يعود بعد ثلاثين عاما عاماً، غرفة سكنه وتأمله. تفحص حيطانها وأركانها.
وهيج قلبه كي لا ينسى، تنسم رائحة الحوش المخمورة، كأن العالم ولد من جديد: غرفة القعدة وغرفة المونة والمطبخ .. نافذة السقف الوحيدة في غرفة القعدة .. الربيع، سهرات الصيف، الليالي، ومنظر النهر بعد الغداء، من المكان الذي هجست فيه هدلة مع ابنها محمد بدوامات النهر وبالضفة وبالأرض.
هند العلي، قبل ان يصعد الى العربة كانت عيناها الدامعتان، حين الوداع، راجفتين .
العربة تسير. هدلة وعبد الله- والى اليسار الجبل وعلائمه: مزار الشيخ أنس بن مالك، قلعة الرحبة، وسراب متلاشي لمزار العين، عين علي بن أبي طالب، والى اليمين ينهر الماء بانحدار الى العلوة.
وفي لحظة غفلة التفت جاسر، التفت الى يساره بشدة. كأنه أحس بظلال تتبعه. تذكر عيني هند، العربة لم تقف، وهدلة تنوس وتحترق. بقيت العربة على عجلات خشبية أربع.
وإذ رأى عبد الله أن الصمت لم يعد يطاق، على الدرب المسننة، قال: وكّلوا الله. فردت هدلة: نوكل الله. وراح الحوذي يقول: الأيام الجاية باذن الله أخيّر يا أبو محمد. ثم أردف: باكر يا أم محمد تشوفين الدير، راح تعجبك .. وما تتحركين منها بإذن الله. زينة وهواها يفيّح القلب، وهسع يقولون حاكمها "علي سواد باي" راح يسويها جنة. وغمز قائلاً: هو وفرحان ومهيدي مثل الأخوة. فنظرت الى عبد الله وقلبها يتلجلج، وفكرت في نفسها: بس ما يكون بها حربة نجم أخرى، آني أترك العلوة لو ما حربة النجم!
أما جاسر الذي لم يكن يأبه لخوف هدلة وهمومها، فقد أصابه البله مما هوس أنه يلاحقهم. اضطرب وهو يحاول إخفاء ما تخيل أنه قد رأى. لمح شبحا يتبعهم فوق الجبل الذي ترتفع معه اليابسة لتشكل بسيطة تمتد الى أراضي تدمر والشام، ولعل سفح الجبل الآن كان جرفاً لاسلاف النهر الحالي، وكانت تمر بمحاذاته المياه، فتحفره باستمرار، الى أن تراجعت جافة ناضبة الى النهر السليل. وخال جاسر أن التفاتة أخرى، بعد قطع مسافة قصيرة، لن يرى ما تخايله على الجبل. صبر لدقائق على صرير العجلات، والتي لا تكاد تدور، الى أن ابتعدوا عن النهر. كان النهر يدور، لينتهي خلف الانحدارات التي قالوا عنها إن حية جفر السلطان أتت منها الى خلف أسوار البلدة، كي تبتلع من يذكّرها بالطوفان الذي حدث منذ أربعين عاماً، طوّف حينها البلاد وحمل الزور أشلاءً الى سفوح الهضاب البعيدة.
لقد تخيل جاسر أن قلعة الرحبة تتبعهم، في المنطقة التي يقوم فيها الجبل على تلال مرتفعة، وهناك طرق غير سالكة، صعبة العبور. يستحيل أن تكون الرحبة، لا محال، إن كانت فستقع عليهم من فوق التلال. ليست هي – تابع أيها الحوذي- تابعي أيتها العربة- الحصانان، أمه هدلة، النهر، وإلى جانبه رؤى – أين عينا هند؟! فدق قلبه – قليل- جزع- سوف يقع في اللعبة، ما دفـع جاسر الى سد أذنيه بباطن راحتيه، تقلص، رعب، انفجار، صميمة الصميمة، تدهده جبار، شظايا في الفضاء، ولن تدع لهم فرصة للنجاة، العربة صغيرة، عجلاتها واهية، وستنطوي في باطن الأرض، وسينطمرون بلمحة عين تحت طبقاتها السبع العملاقة. الرحبة تقع علينا يا أبي!!
بعد مضي وقت كاف لكي تحدث الكارثة، فتح عينيه واستدار برأسه الى التلال، فلم يجد أثراً للرحبة. عرف عندئذ، ان ما تهيأ له كان وهماً وعجزاً. وتساءل: كيف تتحرك الرحبة، كيف تتبعهم، هذا الطود العتيق؟
الأراضي التي تقطعها العربة، خالية من البيوت، فهي حماد في طبيعتها. وقد ظل الجبل ينبطح، كلما تقدموا في عربتهم، حتى وصل الى المكان الذي التقى فيه مع اليابسة، ولم يعد المرء يميز في هذا المكان أثراً لجبل أو مرتفع. اقتربوا من بيوت سعلو، فقال الحوذي: هذي سعلو .. ما تكاد الأرض فيها تخلى بالليل من السعالي والجان، ما ينمشى فيها يا أبو محمد، هذه مفازة الليل. وانطلق يحكي قصص المسافرين الذين قطعوا أرض سعلو وما لقيهم من تدابير الجان والغيلان، كان يرى أن الطريقة الوحيدة للنجاة منهم قراءة المعوذات وذكر اسم الله، ذلك ما كان يفعله كلما مر فيها ليلاً، يقرأ الآيات التي تطرد كل خبيث.
وظن جاسر مرة أخرى أن طبقاتها السبع تتغلغل فيه، فانشدّ الى الخلف، ثم انشدّوا معه، عبد الله وهدلة، الحوذي والحصانان، في وقت واحد، في مكان واحد. انشدوا كالمجاذيب الى الخلف. سمعوا صـوت الحفيف، فاستدارت العربة، وأصبحت وجهاً لوجه معها، أمامهم خيال شفيف لقلعة الرحبة بجدرانها واعمدتها. أفواههم مفتوحة، وعيونهم مشدوهة والسنتهم يابسة. ورفع الحصانان عرفيهما الى الأعلى، الى الأفق حيث قلعة الرحبة صامتة، تنظر اليهم. قال جاسر: يابا تراها الرحبة به به. امتدت يده الى جدرانها: يابا الرحبة. لكن والده الذي استفاق من ذهوله قال له: يابا تراها سراب لا غير، اتركها، نمشي ياللا.

وصلوا بعد ساعات الى الدير، فاقترحت هدلة أن ينزلوا في بيت أخيها مهيدي ذي الغرفتين الكبيرتين. وكان مهيدي قد فتح فناء داره على حوش فرحان وغرفه السبع، ذلك بعد زواجه بزهية ابنة فرحان. ولم يوافق فرحان هدلة في اقتراحها، قدم لهم غرفة من غرفه ليسكنوها. قال فرحان: الدار واسعة اختاروا اللي يعجبكم منها. وكان جاسر في وسطهم يتطلع الى فرحان يدمدم ويقول: الرحبة .. يابا .. ما تسعها الدير كلها. فقال فرحان، كان مع الشمس، وعيناه الهام وأمل: بلى يا ولد تسع .. اذا ما وسعتها الدير، إني احطها بقلبي.

وسط الحوش بركة صغيرة، تـُغذى من البئر المحفورة في زاوية الحوش. وبالقرب منها شجرة توت كبيرة. نهض جاسر الذي أرقه المكان الجديد مع الفجر، وجلس على حافة صحن البركة. ومن بين أوراق الشجرة وأغصانها، التمسته نسمة باردة اقشعر لها جسده، كما دغدغت ورقـة صفراء سقطت من غصن الشجرة رقبته، فارتجف بنشوة الصباح. وللحظات نسي أنها الدير، نسي أن هذه الغرف السبع تتنفس جميعها رائحة النوم والأرق.
كان وحيداً في الحوش، أعاد الى ذهنه المتقلقل رواية البارحة: فرحان في وسط الحوش، يده على صدره، فوق حزام جلبابه الرصاصي، يقول هي في قلبي.
لو كانت الرحبة هنا، لنام ليلة البارحة قرير العين دون أرق. الرحبة ليست هنا، لقد عادت. ذلك لأنه سمع هدلة تبكي بصمت وحرقة في منتصف الليل. وخطر له أن يقوم الى الديوان، مكان نوم فرحان، يدخله دون ضجيج. يكشف عنه الغطاء القطني، ليتأكد من وجودها في قلبه. فتسلل كالقط، خطا على رؤوس أصابعه. قبل ان يصل الى قبضة الباب. تلفّت الى هنا وهناك فلم يجد أحداً في صحن الحوش. وأخاف نفسه من الصوت العتيـق المدوّي، يهبط عليه من السطح، فيصيح فيه حتى يوقظ النائمين. ومن كان ذلك؟ تذكر مرتين متتاليتين، ذهبت الذكرى في عمق خياله، ثم عادت. مرتين حدق الى الصورة البعيدة في مخيلته، وكانت تمد خياله بينما رفع يده لامساك قبضة الباب الصامتة، وبين بين: يقفز من السطح الى الدرب.. السطح لا أحد يقدر الصعود إليه. يقفز صائحاً بصوته الطوب: أنا أخو هدلة. الحوش ساكن نائم. لم يضع يده على قبضة الباب، صدره ينتفض، وبسرية أغمض عينيه، كمن يقف على قمة تطل على واد عميق، ليقذف نفسه الى القرار. نصل قلبه وهو يدير قبضة الباب، لم يكن هو، كان شخصاً آخر . فتح الباب، لم يكن الباب هو الذي انفتح، فتح عينيه، لم تكن عينيه، كان شيء ما يدعوه الى الدخول. زاغت عيناه، وارتفع دمه في الهواء، صار إلى فراغ، فتراجع، انتفض في مكانه خائراً. أغلق الباب ومضى عائدا، وشعور قوي يغمره: داخل العالم النائم، عالم يحيا ويعيش، لا تعييه الحركة ولا تصده المرتفعات ولا رؤوس الجبال.
أسند جذعه الى جذع الشجرة، واسترخى من العناء الذي استبد به.

حين أنهى فرحان صلاة الصبح، استيقظوا دفعة واحدة، وتعالت أصواتهم فخرجت كالعصافير من النوافذ والأبواب. كانت نسمات مشمسة تلعب بمرح في أرض الفناء والرواق، وحركة النساء المستعجلة، رتلا لا ينقطع، بين المطبخ والبئر والبحرة، يحضرن سفر السيّالي، افطار أهل الدار وضيوف فرحان، تجار النسيج، الذين باتوا في داره البارحة، كي يستأنفوا سفرهم الى حلب صباح هذا اليوم.
بعد الافطار خرج معظم الرجال الذين كانوا في بيت فرحان عبد الغني الشاهر. سرحان ومهيدي الخضر، والرجال الضيوف. فرغ البيت وخف التهجس. وراحت الأسرة تجتمع في غرفة الديوان الثاني، الى يمين البهو المفضي الى فناء الدار. كان هناك فرحان وعبد الله وجاسر والاولاد الذين لم تسمح أعمارهم ان يلحقوا أخوهم سرحان في أعماله التجارية. هناك أيضـاً زوجة فرحان، شاها المطر، وبناتها مريم وهند وزهية زوجة مهيدي، وجاءت بعد قليل جارتهم سعدة زوجة عبد الرحيم وابنتها عفراء لتتعرفا الى هدلة.
غص البيت فاصبح مهرجان وجوه، ووجد جاسر أن اختيار اصدقائه لا يشكل ثقلاً عليه. كان عبد الغني ابن فرحان الذي يكبره بعام واحد شديد الشبه بفواز رداد الزغير، وأخته مريم تذكره بنجود العلي صاحبة الصوت الذي يطرب العلوة والجوبة. وهناك راشد وعبد الحكيم وهند الفرحان يصغرانه قليلاً. وجد في كل منهم شبهاً ما مع صبيان العلوة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhawwaij.ahlamontada.com
 
صدى الزور البعيد .. الفصل الثامن.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صدى الزور البعيد .. الفصل ( 19 )
» صدى الزور البعيد ... الفصل 17
» صدى الزور البعيد .. الفصل ( 18 )
» صدى الزور البعيد .. الفصل 13
» صدى الزور البعيد .. الفصل 12

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الحوايج :: الفئة الأولى :: منتدى الادب والثقافة-
انتقل الى: