الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحوايج

هذا الموقع مخصص لاخبار قرية الحوايج التابعة لناحية ذيبان -الميادين -دير الزور
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صدى الزور البعيد .. الفصل 13

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 631
تاريخ التسجيل : 01/12/2009

صدى الزور البعيد .. الفصل 13 Empty
مُساهمةموضوع: صدى الزور البعيد .. الفصل 13   صدى الزور البعيد .. الفصل 13 Emptyالثلاثاء فبراير 21, 2012 6:16 pm

صدى الزور البعيد .. الفصل 13

دم ددم ، دم ددم ، دد دد انه قرع طبل يا هدلة! فقالت هدلة: لا، عسكر الغروب، العسكر العثماني، يمرون فوق الجسر الخشبي. وأكملت شاها المطر: رايحين الى ماردين، بلا رجعة بعون الله. وضحك فرحان، اتسع شدقه كما لم يتسع من قبل، فتح فمه لكل أيام النزه الماضية، فمرت خلاله الخراف والقهوة المرة والطرادة والخيمة الكبيرة، اللبـد التي ابتسم لها سرحان، فأيد ظنون أمه الشاها، ستمطر عما قريب وستفشل النزهة. وبدت بطنه تتقلص ثم تتمدد، يزمها الحزام الملون.
هدلة الخضر قالت لابنها منذ أسابيع، اذهب مع عبد الغني الى السوق تتعلم التجارة والبيع، رافقه كي تصبح كخالك مهيدي. غير ان عبد الغني لم يرق له أبداً، يظل يمط بوزه مشيراً: لا تستطيع قذف نفسك في النهر، تخاف البرودة والبلل، والبلل قاتل يا جاسر. ولقد وقع قلب جاسر، تذكر عندما حمل أخوه المسحاة وسيف الكردة لكسر سدة الساير. تذكر ان أعماقه اختلجت وهو يرى ما جرى. وقال أبوه في أحد الأيام: ابعد .. وتبكي مثل البنية .. أخوك ما به شيء. وبعد كل ذلك يحسها كطيف، تمنحه ما مقداره كي ينهض. ما اسمها وما لونها هذه التي تمر به كالحلم، ايسمعها أم يراها؟ يظن انها الأشجار والدروب. لكنها لوحت له، فوقف في المكان لا يتحرك. لقد مر الزمن بسرعة! هذه الحياة الدخانية تلف ذكرياته، طيفها أمامه وعمره كل السنين / وأتيتِ كدخان وسراب .. تحملين القلب بين يديك الى جذوع النخيل، وبدت قدماك تمشي على المرايا.. حتى امتزجت مسامات ساعدي بالمسامات الرطبة .. وكنا على سطح .. بدنة السد ذي الالسنة الثمانية.. تجذبينني .. تعال .. تهزين رأسك الرمادي تعال/
في داخله شيء ما، فحين يتذكر أيامه في العلوة وأيام الدير القليلة، يتغلغل في أعماقه هذا الشيء. أما حينما تمر به يحسها كطيف ولوعة، فإن هذا الشيء يخرج ليتمثله، يخرج أمامه طيفان- هل هي رجاء الخضر؟ فيختلط عليه الأمر: من منكما رجاء الخضر.. يلتفت الى يمين هنا والى يسار هناك .. من منكما رجاء الخضر؟ ويكاد يعلق بالنسوة المارات فيظن انها واحدة منهن، لا تلتفت الى الفتى المسجى في الزاوية الضيقة، بين الأشياء الرطبة. ويتنسم حفيف الثوب ورائحة البرودة المنبعثة منها، تصعد السطح فيستمع الى غزي أقدامها الصاعدة، والحفيف كالريح والحرير. لكن لم كل هذا القلق يا جاسر؟ سألته أمه وهي في وسط الحوش، مستندة الى جذع شجرة التوت جانب بركة المياه الفارغة. رفع رأسه اليها، فتبدت له وهي تعتصب هبرية مزركشة. ذلك كان أيام العلوة، عندما استندت الى سور الحوش المطل على النهر، على سفوح العلوة، على صباها، وسمع جاسر ما ترويه هدلة: كانت تسأل أخيها عايد حين تهوى أكلة السمك قائلة: ما تقدر تصيد سمكة واحدة .. والله إني أروح للرحبة روحة جية، أحجل برجل واحدة. فيرفع عايد صنارته مبتسماً، ينزل من بيتهم الى ضفة النهر وهو يقول مؤكداً: تحجلين ها .. للرحبة .. وهاي جاي بعد شوية ومعاي السمك. وحين تسـمع صوته يصعد من سفح العلوة الى بيتهم: هديّل يا هديل تعالي. تهبط كالحمامة اليه، تمس بجفول الضفة، ثم تنزلق في الماء مبتلة حتى وسطها، فتتكئ على جذع عايد، تلمه في حضنها بمرح، تضغط على أسنانها قائلة: انـك تريدني أحجل؟! فيرد عليها ضاحكاً: هاك واحدة كبيرة .. هذه السمكة لك وأنت تطبخينها. كانت أعماقها تروي له تلك الذكرى. متى تهبطين يا هدلة الى جذع خالي عايد؟ متى نعيش يا أمي من جديد؟
سألته لم هـذا القلق يا بني؟ سؤالها كان لها هي، وليس لجاسر. بعد قليل تركت جذع الشجرة وعادت الى الغرفة. وتبعها جاسر.
الغرف الأخرى فارغة، لا يوجد فيها أحد، الديوان الأول والديوان الثاني .. وكذلك غرفتي دار مهيدي، خرج سكانها، ومعهم الصغار، خرج الجميع عند الصباح، حين قال لهم فرحان: نطلع كلنا الى المهرجان في الساحة العامة، نشوف الدير الحر بعد أن تخلص من العثماني، نشوف الدير الجديد. وبقي جاسر يحاور نفسه. وكان قد سار عند الصباح خلف عبد الغني، وئيداً خلف الرجال، واذا تكاثر الناس في الطرقات، تقهقر الى الوراء، ثم جعل الساحة خلفه، وبدت مئذنة تكية الراوي تريد النزول الى المهرجان الصاخب، نحو الساحة والشارع العام، مائلة باتجاه دبكات النسوة الملثمات اللواتي رحن يقطعن الشارع العام جيئة وذهاباً على نقر دفوف الرجال الواقفين على طول الشارع، وكان يسمع صوت هلاهلهن الحاد فتسري فيه القشعريرة ذاتها، قشعريرة ورقة التوت الساقطة. وكانت الواحدة منهن ترفع يدها فينحسر ردنها الى أسفل مرفقها، فيندهش الرجال: أين كن مختبئات، الجمال الناصع، كل هذا الزمن؟ ثم تغلغل عائداً الى البيت، دفع بابه السميك فانفتح عن فناء فارغ صامت.
في البداية ألبسوه ثوب النساء. يوم أمس جاءت مـريم وعفراء، ضاحكتين، قالتا له: شكون يا جاسر؟ تطلع معنا باكر بالمهرجان، تدبك مع الصبايا، ما يعرفك أحد، نمرد وجهك ويديك ونلون وجهك مثل العروس! ووافقت شاها، قالت: ومعكم راشد وهند. ثم استطردت تنظر الى عبد الغني: واذا عبد الغني يريد، بين الصبايا باكر، رقصه زين وأحسن من كل البنات. فضحك سرحان معلقاً: أخاف يشم ريحة وحدة منهن، ينسى الرقص وينكشف أمره، ينراد له يا أمي واحدة ترقص معه على سنة الله ورسوله، بغرفته هو مو بالدرب. فرد عبد الغني: لي واحدة يا أخي ولك واحدة، ما أتزوج قبلك، ياللا سوّيها يا سرحان. فقالت شاها مبتسمة، كأنها تكلم نفسها: والله يا سرحان انت اللي ينراد لك واحدة على سنة الله ورسوله. فنقل جاسر نظرات لا إرادية بين سرحان وعفراء وقد غلبها الحياء، فأطرقت بشحوب ورقة، وكاد جاسر يكلم نفسه بصوت مرتفع: يا عفراء، كل الجمال والحياء، يصعد الدم الى وجنتيك وتصبحين كوشاح. لكنها تقدمت نحوه، تملت وجهه كيف يصير، شفتيه المرسومتين على هيئة قبلة، عينيه، أول مرة ترى عينيه من هذا القرب. عيناه العسليتان .. يمتزج فيهما اللون – ان الانحدار المرسوم على السفوح والضفاف.. وحالة السماء أيام الإضاءة.. عندما تنار النجوم وترتفع فوق إظلام البوادي، هكذا ارتاحت في عينيه، الدخول بين طيات واستغراق المدى. جاسر الرحبي وصل معها الى حيث وصلت معه. أحس بأن روحه انتزعت عنه غفلة، فهبط قلبه، ورأت عفراء مع مريم آثارا في ملامحه – تقوض قلبه وخمن أن الحياة منحت قلبه لمريم وعفراء، ووجد المكان هالة حول السرة، ان يكشف ثوباهما، يرفعه أعلى الصدر، ثم يحدق باحثاً عن المكان الذي أدخل قلبه. هذا اللحم يخفق بأسـرار الروح، وأضلاع الصدر تتنفس ملاحم البراءة، تنهض الأضلاع فيرى شفاف البطن– يملأ المكان بقطرات مطر آت من بلاد البحر، يعوم فلا يغرق، يبلل جسده ولا يبتل. فتروي له مريم: هذه بطني يا جاسر، طاهرة، فيها ألوان وألوان، يغلبها معظم الأحيان الجوى والشياط، الرياح الساخنة تجتازني.. وهذه لعفراء، أودعت سرتها معي، فكانت في الليالي تلتقي بطني مـع بطنها، ننساب في نهر. انظر، فرفعت فستانها، لا تحول عينيها عنه، مطأطئة اليه وتحني ظهرها قليلاً ليرى منَشدها. أنظر.
وفتح عينيه، رأى مريم تمسح وجهه بهدوء. وكيف يصبح اذا ظللنا الوجنتين بالشحوب نفسه، وكيف يصبح اذا زججنا الحاجبين، وكحلنا العينين، ونقطنا الشفتين بماء الزهر، وكيف يصبح اذا لونت الأشياء بالحنة وخضبت بتراب الجنة؟ أنت جميل يا جاسر، لو أنك الفتاة وانني الفتى!
وقالت عفراء: انزعي ثوبك يا مريم، لنرى كيف يبدو على جاسر! فبدا فيه كالمهرج، أكمامه الطويلة وصدره الفضفاض، فبادرت هدلة: إشلحه يا جاسر، إشلحه، ترا كبير عليك. وفكرت مريم أن ثوب هند مناسب، على مقاس جاسر، أكمامه وأذياله، ثم التفتت الى أختها تقول: تشلحينه يا هند، نشوفه على جاسر. فتبسمت هند، أخفت ضحكة تقول: لا يطلع عليه هو الآخر كبير .. بثوب البنية يصير جاسر مثل العنـز!
وإذا أطل فرحان على غرفة الديوان الثاني، فسيرى جاسر في ثوب مريم، يقف بين دائرة النساء الجالسات. وخطر في بال هدلة فرفعت صوتها: إشلحه يا جاسر، كبير عليك، ما يلائمك. وقالت في نفسها: كيف اذا دخل فرحان ورأى جاسر بهذه الحالة؟ فضحك فرحان، ثم قهقه: شكون يا جاسر؟ قال ذلك رافعاً يده ومستنداً على خصره، مدركاً المقلب الذي رسمته مريم، واستدرك لما نظر الى مريم في ثوبها الداخلي: إلبسي القصيرة يا مريم.. وقـال لنفسه: هي لابسة القصيرة، كان يجب ان تدرك ما يسترها.. الثوب الداخلي يظهر عريها آ آ ..آ إلبسي الثوب لحمك طالع يا مريم. وانتبهت هدلة الى الابتسامة الغامضة على محيا هند، فقالت لنفسها: تشبهه بالعنـز .. كبح الله وجههـا .. والله اني ما أحطك خادمة ببيته يا فاينة. وكررت هـدلة، تخشى مجيء فرحان: إشلح الثوب يا جاسر، اعط الثوب للبنية. فرد جاسر: الثوب أزرق، أزرق أدكن. يحلو لي ثوب أزرق يميل الى الـدكنة، ورائحة مريم ما زالت في الثوب يا أمي! وكانت رائحة مريم. ثم تـابع: رائحة مريم مثل رائحة هدلة. ثم قال فرحان: شكون يا جاسر؟ سوّوك بنية يا مخجل، تخسأ يا ول، انت ولد هدلة يا ربي؟! فتنفست الصعداء، ثم حمدت ربها ان ولدها سيرمي عنه الثوب. قالت له ببرود: إمسح وجهك من الغوى يا جاسر، وباكر تنزل مع الولد الى المهرجان.. ظل مع عبد الغني ولا تتركه.
لذلك. نفى أن يكون قد انجر الى المهزلة بإرادته. وكانت رائحة مريم الطاغية قريبة منه. قدر انه سيشم مريم. وتبقى أطيافها عالقة بالفستان، حتى وإن نزعته عنها. ثوبها الأزرق. فكر: سيلامس مريم من الداخل، وستتعلق مساماته بمساماتها، وعـن طريق الثوب سيعرف أين مريم، صدرها، الحوض، الساقين، ثم عمود ظهرها. وأراد نزع سرواله وثيابه الداخلية كي يرتدي فستانها. كذلك، كور قبضته فوق صدره، يشير الى ما كانت تضعه مريم هناك، فوق صدرها، كان يريد: وحاملة الصدر يا مريم، أيضاً. وقالت عفراء: نصنع عقيدة ونمرد شعر رجليه. ثم كررت هدلة بقسوة: إشلح الثوب يا ولد، جاسر روح خليك مع الزلم، أدخل مع سرحان لديوان الزلم يا جاسر، يكفيك تهبّل، تراك ضيقت خلقي.. يكفيك تسوّي مثل العجيّات. ورفعت صوتها في وجه جاسر الذي لم يولها انتباهه، ظل يكور قبضته فوق صدره، رفعت صوتها بدون وعي: يا جاسر يكفي .. يكفي يا ول. فالتفت إليها كالأبله، لا يثنه عن طريقه غضب أمه.
يا ول يا خبل يكفي.. وهي تهب وتلهث وكأن صدرها ضاق، واستحال عنه الهواء، وراح رذاذ فمها يتلون بالغضب ويدكن، ثم مال لونها الى الزرقة. وهكذا رأى جاسر الذي تراجع كالممسوس، ترهلاً في الصدر وفي الجسد، ترهلاً جاء عن انتفاخ مفاجئ، ضرب العنق ثم انتشر الى الوجه والفم، وغارت عيناها حتى انطمست المعالم، وبدت هدلة الخضر تغرق في رغوة فمها، فصاحت شاها المطر، لطمت تصرخ – ان الأشجار الباسقة، اشجار النخيـل المجذولة، يا هدلة أنت يا واقفة كالمفازات والمدى، الليل سدى ثم الصباح دون هدى..حتى انسكب الديوان الأول في الثاني، دخلوا عن طريق الغرفة المجاورة، والتفوا حولها، كانت مستلقية في قاع الديوان– كم هي هدلة .. ورأيناها طويلة تلامس بجسدها الأرض.. مستلقية وأقدامها متباعدة وقد طاف الزبد فوق وجهها. فتقدم فرحان ونزعها عن صدر شاها، أخذها عنوة. زعقت في وجه زوجها: إبعد، الحرمة الحرمة .. هي دايخة وإني أصحّيها ما يجوز يا فرحان ابعد عنها! وراح فرحان، عندما استقرت على صدره، يدعك وجهها ويقبض بقـوة.. يشهق ثم ينفخ.. ثم يميلها الى الجانب الآخر، مستلقية على بطنها، وينقل قبضته حيث يريد - كل هذا الجسد يا هدلة.. إن شاها لا تملك نصفـه.. ولا ربعه.. هدلة، على طول الأضلع والجذوع.. هدلة .. يجب نزع ملابسها كي نقف على موضع القلب والرئة.. انظر يا عبد الله، يا ابن عمي، إن أختي هدلة لا تتنفس، يجب نزع ثوبها.. ياللا إخلوا المكان، أخرجوا كلكم.. إبق معي يا أبا محمد، إبق لننضو ملابسها.. ثم اسدلوا الستائر، واخرجي يا شاها، أخشى عليك.. النسوة لا يحتملن هذه المشاهد أليس كذلك يا عبد الله .. لتخرج شاها.. وتمنع الدخول.. واقفلي وراءك الباب يا أم سرحان .. الى أن تصحو هدلة.
ورأيت أمي كما هي! ثم أحسست ببعد الدير، لم نصل الدير يا هدلة، لم نصلها قط؟ وهذه ليست دير.. أمي .. المستلقية .. في غرفة مقفلة! وابتعد جاسر، لم يجرؤ على النظر الى الباب الذي وقفت شاها عنده تمنع الدخول، توارى خلف جذع شجرة التوت في وسط الحوش، توارى في فستان مريم. وتبدت أمامه الزاوية الضيقة، بين الأشياء الرطبة، بين البئر والمطبخ. ثم راح يزوي عينيه، يريد الالتفات بدون أن يراه أحد، يريد: اما زالت أمه غائبة، وشاها تقف بباب الغرفة تمنعه من الدخول؟ لكنه، في ثوب مريم، سيدخل المطبخ، يدلق على الثوب زيت كاز ثم يشعل النار فيه حتى يحترق ويحترق ويحترق. هذا الثوب التعس. الثوب، رائحة الثوب، فتغيرت أمامه المعالم، بدأت، هكذا، منذ البدء الأول، منذ كسر السدة، منذ النزول من قلعة الرحبة، ومن المشاعر المنفردة لطيفها المتبدل، أن يرى أو يسمع، وظن انتظاره لاستيقاظ هدلة وهم وزيف، لا يمكن ان تظل بين الاثنين، والآخر ينظر اليها.. بنهم وجوع! هدلة ليست غائبة عن الوعي، فقط الفرحة جعلتها لا تملك نفسها، فخرجت عن طورها..

كلهم فرحون، ولقد نبه فرحان لضرورة التحضير للدبكة التي ستجري في الشارع العام والساحة. كان جاسر خلف جذع الشجرة، يرى الى الزاوية بين المطبخ والبئر، يتذكر ذاك الصباح، حين استيقظ قبل الجميع، وجلس وقتها على حافة البركة، عرف أين تستقر الرحبة، وتخيل أيضاً، اليد التي كانت ستدفعه في صدره، ترميه الى قاع البئر. البئر كان مغلقاً بالصفيح والخشب، ما عدا فتحات أنابيب المضخة اليدوية بسعة اثنين ( انش )، المنتهية بصنبور، مضخة تدفع المياه من القعر. وبعد ذلك.. لم يعرف كيف جاء الليل، تفقد لباسه وهو في الفراش، كلابيته هي هي، لا وجود لرائحة مريم.
لكن، ألم تكن الرحبة هنا؟ إن كانت هنا فكيف جاءت؟ وان جاءت فكيف ذهبـت؟ نحـن يا أمي لسنا في الدير، إننا في مكان آخر، ربما في ( … ) آخر فقط، حيث لا مكان لل ( مكان ). هل الرحبة رافقتنا أثناء المجيء؟ قال ابي إذ خرج من ذهوله: إنها فقط صدى. ولم لا يكون هو الصدى؟
الشارع طويل، في الصباح البارد، لبس حذاءه ومكّن قدمه فيه، هناك أبوه عبد الله الرحبي ومعه أمه هدلة معافاة، لا أثر لانتفاخ، وجهها يطفر بالصحة كما عهده منذ وعى. الشارع العام امتد فجأة وامتلأ بالمحتفين. خرج من الدار مع عبد الغني، أمام الرجال الذين راحوا يراقبون كيف تمضي النسوة الملثمات الى طريق المهرجان. وحين غصت الشوارع والدروب، وقف الرجال على طرفي الرصيف يحيون الراقصات مسرورين بالمشهد الذي طالما انتظروه. كان يود التفرّج، ففتح شدقيه، ضحك بعصبية فلفت اليه نظر عبد الغني، فسأله: شكون شفت يا الله، شفت شيء؟ لم ير شيئاً. وطال الشارع العام، وقت الشارع العام، زمن الوصول الى ساحة المدينة، بدا هذه المرة طويلاً. فتخلف عن عبد الغني، ينتظر وصول حلقة الدبكة التي شكلتها النسوة. راح صوتهن يقترب، وأزاده الاقتراب نفوراً، عندما تخيل انه معهن. ومن تشبهه في حلقة الرقص تلك؟! تلك التي أخذت تقترب منه.. أهي فتاة أم فتى؟ بُنيتها حسنة وصوتها خافت، أتكون هي مثلا من جاسر؟ لو كان بينهن لما كانت هذه الفتاة، الفتى، هنا. لكنها بطول قامتي، وترقص بقوة رجل! وتذكر ثوب مريم ففاجأه لويٌ وقيء ، فنحى مسرعاً الى البيت، حيث لا أحد سواه. وهدأت قيئتة عندما دخل الدار. كان الدار فارغاً وراحت من جديد تمر به الأطياف، وهل هي رجاء الخضر؟ جلس في زاوية الدار بالقرب من البئر يتحسسها، يختلط عليه الأمر ويتساءل: من منكما رجاء الخضر، أنت أم أنت؟ يتنسم حفيـف الثوب ورائحة البرودة المنبعثة كالحرير والريح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhawwaij.ahlamontada.com
 
صدى الزور البعيد .. الفصل 13
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صدى الزور البعيد .. الفصل ( 19 )
» صدى الزور البعيد ... الفصل 17
» صدى الزور البعيد .. الفصل ( 18 )
» صدى الزور البعيد .. الفصل 12
» صدى الزور البعيد ... الفصل 16

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الحوايج :: الفئة الأولى :: منتدى الادب والثقافة-
انتقل الى: