الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحوايج

هذا الموقع مخصص لاخبار قرية الحوايج التابعة لناحية ذيبان -الميادين -دير الزور
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صدى الزور البعيد ... الفصل 16

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 631
تاريخ التسجيل : 01/12/2009

صدى الزور البعيد ... الفصل 16 Empty
مُساهمةموضوع: صدى الزور البعيد ... الفصل 16   صدى الزور البعيد ... الفصل 16 Emptyالجمعة فبراير 24, 2012 2:46 pm

صدى الزور البعيد ... الفصل 16

خـرج جاسر هاربا من دار فرحان، فوقفت هدلة حائرة أمام ما جرى، ان تتلهف على ابنها الوحيد والذي لن يعود، أو ان تستنكر مع مريم وشاها ما فعله، فتحمل روح البغضاء والكره على خطيئته التي لا تغتفر؟ كانت واجمة ذاهلة ولا تعرف طريقاً للخروج، ولا تصحيحاً لما حدث. ولما أرادت مفاتحة شاها في أمر ما كان، ترددت حتى فقدت القدرة على ذلك، وفي كل مرة تجد الشجاعة لمفاتحتها، وتتذكر كيف كتمت شاها الأمر مع ابنتيها، اذ ان الحدث لم يلث براءة الفتاة، تعود الى ترددها مخافة ان ينتكئ الجرح.
واحتارت في كيفية إعلام عبد الله، ماذا ستقول له، وماذا ستخترع من الحكايا؟ جاسر أين ذهب يا هدلة؟ سيسألها عندما يفطن لغياب ابنه، يسألها اليوم أو غداً. لو كان عايد بجانبها لهان عليها الأمر. وزهية التي وصل إليها الخبر دون رؤية ما جرى، هل ستخبر زوجها مهيدي، بطريقـة أو بأخرى؟ ثم هل ستمتنع شاها عن إعلام فرحان لمدة طويلة، تنسى فيها وينسى تأثير ما فعله جاسر؟
تمنت مرة فقط، ان يكون مهيدي مثل عايد، حتى وإن كان أخاها من أبيها، مثل عايد لتلجأ اليه في محنتها، لكنها استبعدت احتمال ما تمنت. ومهيدي وزوجها لا هَم لهما غير التجارة. وخشيت كذلك أن تكون زهية غير قـادرة على كتم سر الدار، سيقود هذا الى إعلان حقيقة إختفاء جاسر، وبالتالي ستختلط الأمور وتبطل عودة ابنها. وتجرأت وقالت لشاها بحضور مريم: سوّد وجهنا، الوليد سوّد وجهنا يا أم سرحان. وصمتت لتـرى وقع الكلام على شاها التي اكتفت بإشاحة وجهها وترديد: تربية سيز .. سيز. وسمعت شاها بعد فترة أطرقت فيها، وجاءها الكلام من فوق، سمعت مريم تسألها بطريقة لا تخلو من الحزن والملامة: ما عرفتي اين راح؟ فرفعت رأسها وقالت بصوت خافت مخنوق: من أين أريد أعرف؟ فردت شاها بهزء، كأنها تكلم نفسها: أين يريد يروح يعني .. تراه عند المجدّل البارحة واليوم.

كتلة وجسد. وتذكرت مريم ساعة انتزعت جاسر من تحت الدرج أنها أحست بالصوت يجري متوسلاً مستنجداً، واستطاعت ان تفسر العبارة المبتورة التي تفوه بها في خوف وعجل، وحسبت انها رأت تعابير وجهه حين مضى يلم أذيال كلابيته باتجاه باب الحوش، كان الهلع مخيماً عليه، لا بسبب ما اقترفه، بل بسبب آخر لم يفطنوا اليه. ولقد تأكدت من مشاعرها حين أتاهم حمزة المجدل وقال لهدلة بحضور زهية ومريم: ابنك يا هدلة ما هو زين.. ترا زعلان شيء ومرضه شيء.. يا هدلة جاسر يقوم بالليل بدون وعي ويمشي لعند المي، يدوّر عن الهواشة، مرة مرتين لحقته، بس ما أدري، اذا سهيت عنه مرة شكون يعمل بحاله؟ عندها تحققت مريم ممـا خمنته وانطلقت لتقول: شكون .. تتركونه تا يضيع من يدك.. يا هـدلة.. الحقوه ترا الولد ما هو برأيه من زمن .. واستدارت الى أمها تقـول: لا يتيه، أدري والله وقتها ما كان بروحه، الولد ما هو زين يا أمي. بين الهبوط والصعود، ومريم فوقهما تحاول انهاء المشهد، ليكن ما يكون، فأدخلت مشعاب يدها في تجاويف ظهره المرن، فسمعته يرطن: كلكم متجمعون عليّ أنت وهي وهي وهي كلكن كلكن كلكن.. بس يا الله اتركوني. ورأت كيف اقترن حاجباه رعباً، كانه يحدق في أعماقه، يبحث ليهرب من الزوايا، يبحث عن طريق لا حدود له ولا آفاق – من يملك العالم في هذا الامتداد الضيق؟ من اليسار.. وبالقرب منه باب الديوان المغلق ووراءه باب الحوش الفرعي، المغلق، فانتحى طريقه هارباً منها، المضخة البئر الزوايا الرطبة في المحشرة المسكونة فيه.
وسأل حمزة الـمجدّل: ليش في شيء ثاني، ما هو زعل بس، وردت هدلة: زعل بس .. الوليد خرج زعلان مني. وعاود حمزة: شكون بي؟ فقالت شاها: خلص، روح هسع ونحن نتصرف. وكانت مريم تلاحق خطاه الوئيدة باتجاه الدرج، فزوت عينيها الى ما سيفعله جاسر، وظلت صامتة متوقعة ما سيقوم به، وكيلا تخرجه من غفلته كتمت رغبتها في تتبعه الى النهاية، ظلت ساكنة لا تأتي بحراك، وهي ترى أطراف ثوبه وحركته المشوشة. وحين سمعت صيحة شاها المكبوتة، طارت من فورها الى مكان جاسر، تحت الدرج، ورفعته عن أختها. لذلك خرج من بيت فرحان لا يلوي على شيء، كانت أصابع مريم المغروسة في ظهره تمنع عنه الرؤية. الى أين يتجه؟ راح الى الشارع العام إلى المئذنة إلى النهر، ثم ارتد الى بيت حمزة المجدل أسفل الجبل الشرقي.
وكان سؤال فرحان عن جاسر في اليوم التالي لمجيء حمزة المجدل مربكاً لهدلة ولشاها، رغم ما تأملته هدلة من طريق محتمل لعودة ابنها بتدخل فرحان نفسه. سأل فرحان باهتمام: أشوف جاسر يا هدلة ما يبين، عساه بخير؟ فردت شاها بعد ما تبادلته من نظرات مع هدلة، ردت: ما به شيء، راد يقعد كم يوم عند المجدّل. فتمتم: عند الجبل، شكون يسوي غادي! وتابع: اليوم ما يبات.. تراه يجي أخير وآمن. وتابع فرحان بعد صمت حمل تساؤلاً: يقولون .. ان العربان يتحضرون لمنع الفرنساوي من دخول الجزيرة والشامية، فات الفرنساوي بالشام من أشهر، والشيخ حاجم يحضر قواته لردهم من عند الرقة، يجي أخير يا هدلة .. ما يدري الواحد شكون يصير؟

مضى. عندما ارتد عن النهر والمئذنة والشارع العام، مضى الى الجبل الشرقي، وبان له من بعيد بيت المجدل. كان على سفح الجبل المطل على الدير – سنرى منه الدير وكل الحويجة اذا صعدنا. وبدا البيت أكثر تناسقاً مما كان عليه قبل الفيضان، أقاموا غرفة إضافية أيام الترميم، ودعموا سياج الدار، وأبدلوا النوافذ والأبواب، وبنوا مرافق جديدة بعد ان انتهى حمزة المجدل من بناء مرافـق بيت فرحان. وتبدلت مشاعره عندما اقترب من الدار، أخلى من قلبه الخوف، وانتقلت مخيلته الى مكان آخر، حين كان يأتي الى هنا فيقضي عدداً من الساعات والتي تمتد أحياناً الى قبول المبيت، وذلك تحت رغبة متابعة السمر وإلحاح المجدّل نفسه، كان يقول: إبقى يا جاسر تروح الى ديوان فرحان شكون تسوي هناك.. هون نتعلل ونتقشمر الى ما شاء الله، صحيح ديوان فرحان أكبر يابا ..! يقول هذا مبتسماً، وينظر الى زوجته التي كانت تنهيه كلما تطرق الى مقارنة كهذه. والمجدل طويل القامة يا مياسة .. أعرف أنك تدافعين عنه أمام أمك، لا ترضين هجومها عليه: مهما يكن يا أمي هو أبي، المجدل، ما نرضى تحكين عليه قدامنا.. أبداً. وهذا الشعر المخضـب بالحناء حتى حسبته، ثم عيناك الواسعتان، يغطي شعرك الوجه الأبيض ذا الملامح القريبة من قلبي، أشعر أن وجهك فرات يسري بين نوط القلب، حسبته يا مياسة شتاء وربيعا ويبقى الرذاذ يندف فوقنا على طول الرصيف المؤدي الى البساتين، وسأحزر ان دوائر المياه فوق السطح تشبه وجهك، كطيات شعرك، كأنك المياه يا مريم! وشعرك كان رغم أراضي الطين ورامات الوحل الملتصق بأعقاب الأقدام ملاذاً للرغبة في كشف النقاء المضوع بالندى. اه .
كأنك مريم. لذا فسروالك الصوفي يجعلنا نظن بطيبان الحياة تحت غطاء البطانية، كمريم أختي، وكحالة جسد بعد استحمام أزال عنا العناصر، فأصبحنا متشابهين، لا يسترنا حجاب، ولكي نوكد الحميمية بيننا نظرنا الى بُعد الحياة وقلنا من هنا مرت الحياة، من هنا مرت الكذبة الأولى. وإذا طال بنا السهر وغفا حمزة تسألين من سيطفئ القنديل يا جاسر أنا أم أنت.
ثم عادت مشاعره الى الهرب والخوف، كيف سيقضي الأيام، ثم اذا كان ثمة عودة فكيف سيقابـل من هرب منهم؟ ودخوله الآن الى بيت المجدل، إذا علموا بما جرى، فما لون الدخول او بالأحرى المكوث الذي يمكن ان يطول؟ هل ستبقى الآماق معلقة بين جيزان السطح وأحلام السهار كل ليلة؟ وخطرت في باله العودة، خطرت في باله العودة الى العلوة. سيوازي الجبل، يسير متواريا عن قطاع الطرق، يتزود للطريق المقفر الخالي، في ناحية ما .. وفي كل خطوة يخطيها الى العلوة سيستقبل الشمس. ان البرد قارس لذلك سيختار زاوية الشمس، الزاوية التي يحدها الشمال والجنوب.
لا حاجة للباب، بأن يبقى مفتوحاً في النهار وفي الليل، في ايام الخطر وايام الأمان، ومنه يظهر الفناء، وفي بطن الفناء، كأن لا، في داخل الحوش، السفح. لا حوش، أذاً لم السور الواطئ، في داخل الحوش سفح وفي داخل السفح حوش، فلم سياج الطين الذي لا يحد ولا يمد؟ ومن الحوش سنصعد الى اعلى الجبل ونرى الدير، ونرى من فوق كيف تتحوج الأرض في قلـب النهر. ولكي يذهب جاسر الى العلوة عن طريق ظهر الجبل، سيخرج الى الحوش ثم يصعد أعلى الجبل، يتوارى خلفه، فيصبح بينه وبين الطريق جبل. يظل يسير، يعتقد ان الرحبة ستلوح له قبل غياب الشمس. وعند ذلك، قبل غياب الشمس، سيرتقي أعلى الجبل من جديد ثم ينزل الى سفحه الآخر، من بطن الجبل، عندها سيرى العلوة. قبل الغياب. اه ( انتهى )
كل الدير في الليل. وأغلقوا باب الغرفة من برودة الطقس، وزرعوا في ارض الغرفة مدفأة، بدون أنابيب دخان، كان الدخان يخرج من الثقوب الصغيرة التي تكورت في ثنايا الجدران. لكي تدفأ الغرفة حاول حمزة إزادة شعلة المصباح فسكب الزيت الإضافي في قاعدة المصباح، وبلل مقداراً أكبر من الفتيل، فوسع الرقعة التي تنقل الضياء. وسمع جاسر المجدل وهو يقول: ما نقول لك ابقى، انت حر، تريد تظل، تريد تروح، والبيت بيتك واحنا أهلك زاد. ففتح جاسر عينيه يقاوم النوم، وقال متثائباً: أريد أظل، الوقت هسع متأخر. فضحك الجميع وسأل المجدل: شكون جاسر، انت نايم والا قاعد؟ فتمتمت مياسة: يمكنه يحلم يابا، أشوفه نام بسرعة هذه المرة! وفرشت له في زاوية الغرفة وهي تقول: نام وّيا حمزة، وتابعت: لا تلز جسمك على الحايط، خذ الوسادة حطها بينك وبين الحايط. واستطاع ان يسمع وهو بين النوم واليقظة لهاث مياسة وهي تغطيه باللحاف وهي تميله قليلاً لتضع بينه وبين الجدار الوسادة كي تقيه برودة الحائط.
ورأى الليل كثيفاً، ينزل من الجبل كالمارد، ويطبق ببطء على البلدة، يدخل في النفوس، ويزيدها ظلمة. هكذا شعر بالتبدد وانه يتفرق فيصبح أشلاء فضاء، ويرى الليل مكفناً بالصقيع، بالخوف من أعمدة المشانق المترنحة. وتساءل: طيب أين الليل وأين المياه؟ لقد ضاع النهر في جوف الظلام. ولولا الخرير المجاور لمسامع أذنيه لقال ببعد الماء عنه، لقال انه في الدياجير العميقة، لكنه سمع سريان النهر يستيقظ في باطنه وسمع ضحكات الأمواج ترتطم بحافة الهاوية.
وروى حمزة المجدل تتبعه لجاسر، لقد أيقظته مياسة، لكزته في كتفه مهمهمة: أقعد يا حمزة، ترى جاسر ما أدري اين راح بهالليل؟ ورآه من بعيد، يلفه الإظلام، طالما يسير في ارض ممتدة. ساحة رأيناها في الليل، ولا يحجبها عنا سوى ظل الأرض الكثيف، وكان الظلام يتبدل بين لحظة وأخرى فعرفنا انه طيف جاسر يأخذ وجهة الشمال، الى طبيعة النهر الليلكية. اذاً هو، سوادة تتحرك، فانبطح على وجهه كي يرى لماذا يسير وحيدا على مهل وخلف من؟
كذا يا هدلة، ابنك كل ليلة. فخرت هدلة على ركبتيها، ارتمت أمام الشاها ثم رفعت وجهها وقالت: يا بني .. اني يا شاها ..! ورفعتها مريم وشاها، رفعتها زهية، وكانت مرافق هند تطقطق تحت ثقلها، هدلة وهدلة وانحلت عصبتها وتناثر شعرها.

ثم عادوا بجاسر، فأمرت شاها ربطه أثناء الليل، لئلا يمشي في نومه، يربطونه بالرباط المتين، كي لا يعاود الكرّة. وحتى يرون صرفة مع مرضه ومسه المباغت. قالت زوجة فرحان: الى ان تفتح له هنوف النجم اربطوه زين واربطوا الحبل بالحايط، دقوا الحبل لا يحله. هنوف النجم. أنا طاوعتكم أي، تربطوني تحلّوني أي، لكن هنوف النجم ما أصلها، ما أروح الى هنوف النجم. فردت شاها: ترا اذا ما رحت الى هنوف تظل مربوط طول عمرك! ورد جاسر: هئ هئ ما أروح .. أني ما بيّ شيء، انتم تتوهمون. ورفع عبد الله صوته: باكر تروح ويّا أمك الى هنوف يا ولد، باكر من الصباح، خلص ما ظل حكي بهالموضوع. وقالت زهية: هنوف النجم تحل كثير أمور، وهذه أبسطها، كل الدير تروح لعندها، يروحون لبيتها نسوان وزلم .. ما بها شيء. وابتسمت شاها قائلة: تجمع الحبايب وتلاقي الغياب.
تمر هذه الحوادث صورا، يحس ان الدنيا لا ترى من هذا المكان، هناك ميدان آخر لها، غير ما يقام الآن أمامه من أفعال وأقوال، فهم يولون اهتماماً يجهل معناه، فما الداعي لكل ذلك؟ والدنيا الحقيقية لا أحد يعيرها انتباهه، كأنه يراها صامتة في زاوية مهملة وقد تسربلت بمئزر أزرق، مثل الأبواب والنوافذ، مطلية بنفس اللون. أو انهم يفتعلون المواقف، ولا يريدون من أحـد أن يذهب الى هنوف النجم، فقط جاسر، يريدون ذهابه! ان الدنيا في مكان آخر، غير المكان الذي يحيون فيه، هم وراء الهامش ولو كان فرحان معهم فهم وراء الهامش، أما نحن ففي الأعماق، في مركز اللعبة. وننتظر حلول الليل، من المفترض ألا يمكّنوا الرباط لهذا اليوم، سنقول لهم: غدا سنذهب الى هنوف النجم فما حاجة الرباط؟
لا داعي للحبل يا هدلة، غدا سيذهب الى هنوف، فلا داعي له، الليلة الأخيرة سماح وحرية، مرت ليالي وهو لا يقدر على مغادرة الغرفة، نعتقد ان حالته تحسنت، لن يخرج الليلة، الليلة لن يمشي جاسر في نومه. ارم عنه الرباط. فرمت عنه قيد الحبل واكتفت بإغلاق باب الغرفة بالمفتاح، وخبأته في ثوبها الداخلي. وقال الليل – يا حسن – ثوب هدلة الداخلي أصفر، مخرم ومطرز بـ(القنويشة) بالخيوط الزرقاء ذات المساس الناعم يا أمي ثوبك الداخلي، تحت ثوب الكاريه (البونج)، المفتاح في شلحة هدلة تحت ثوب البونج، شلحة هدلة الـ ( جكر ) أو الـ (أطلس). المفتاح في جيب هدلة الواسع من خصرها الى أسفل فخذها. في الظلام نبحث عن المفتاح، أين المفتاح يا أمي؟ واذا كان الجيب طويلاً ملفوفاً، فكيف سنأخذه من الفراغ الرطب؟ وضحكنا لهذه الفكرة فقلنا بصوت واحد: أمنا لها فراغ رطب، ربما تخفي فيه المفتاح! لماذا تخفين المفتاح هناك؟ هناك مكان أنزلنا من الرحبة، فنزلنا! لذا سالت يده من كمه الطويـل وسرت تبحث بصمت عن مكان هدلة، واذا وجدته، تنبأ جاسر بالمصير، فتنفس الصعداء، لن يكون هناك باب مقفل بعد اليوم. وبيدي تحسست جسدها، وكان كالليف المنتبج، ساقها الممتدة، تعانق ساق أبي، وكانت ساقها كالماس، تنشر الضوء في أركان بطني فصعدت الهلامة الى أعلى، الى الخصر، لقد اجتازت اليد الحوض، وترقرقت فيه لبعض الوقت، وشمل البكاء عين صاحبها، فسمعنا تنهدة وعبرة، أعلى الخصر تبحث عـن جيب المفتاح وأينه يا هدلة؟ الى ان وجدته، وجدته فغرقت يدي فيه، وما وجدت المفتاح وأين المفتاح؟ في الجيب المثقوب على إهاب هدلة، وكتمت الصوت حين تلمست، فانتقلت مشاعر اليقظة الى هدلة، وكانت اليد تتسيح في المغرة تبحث عن مفتاح غاص نحو الأجيال القادمة. في هي.
لن نخرج من الغرفة حتى تستيقظ هدلة يا أبي، في جيبها المفتاح، وضعته هناك قبل نومها. فأيقظ عبد الله زوجته هدلة قائلاً: أين المفتاح، شكون بك .. ترا نحن مه بقشلة، تقفلين علينا هكذا .. اعطنا المفتاح يا هدلة، وقومي .. يكفي نوم، تحضري تا تروحين الى بيت هنوف النجم. وكان الصباح الذي أطل من نافذتي الغرفة موعزاً ببداية يوم جديد، يوم في حال هذا الزمن، يوم لا يعود على نفسه كل صباح، له آنة تأخذنا في رحلتها.. في عربة رباعية ندور بها حول العالم، ندور أو يدور حولنا العالم، نبقى في مكاننا ويلف حولنا العالم جديداً جديداً حتى يأتي المساء، فنفاجأ بمن يأتي ويقول: أنظر اليها، هذا الحجاب وهذه الجبة من عند ربة، تمشي في الطرقات، رأسها كالقبة أنظر اليها حربة الرحبة لها في ثنايانا حبة. فشتم عبد الله: يا ولد يا زنـ .. تروح تروح وخلص. فتدخلت شاها قائلة: روحي انت لعندها أولاً وشوفي اذا تريده يجي، واذا ما تريده، وتسوي بدونه، يكون انحلت المشكلة.
وخرجت هدلة الى بيت هنوف النجم، في طريقها الى تلة الدير فوق الساحة العامة، سـاحة السـوق. تسربـلت بالعباءة وغطت وجهها بـ ( القنوع ) بعد ان ثبتته بعصبة، أخفتها تحت العباءة. وراحت ترى العالم من خلف الستارة الشفوف.
عليها ان تصعد تلة الدير، العلوة، حتى تأتي بابها، بابها باب دف أصفر، وفي فناء الحوش شجرة نخيل كبيرة تطل على سفح التلة، جريدها ممتد. وهناك في خيالها صور محمد وحسن وجاسر، ويتراود في أعماقها صراخ أولاد الملاعب، أولاد الدرب، عندما يمتزج الخارج مع الداخل، فلا نعود نفرق بين الاثنين، من يلعب في الدرب ومن يجري بين المطبخ وبين غرف المونة المقبية.. وكنا نطل معها على سفح العلوة من سور الحوش، كنا خلف هدلة، ونرى سريان النهر المنعطف، قبل ان تدخل العلوة وأنت تعوم في النهر تراها من الخلف، وكانت تسمع أصواتهم فتميز بينهم حسن وفواز ثم بعد ذلك كان جاسر يصوت: صميمـة الصميمة، على النبي صلينا، صلينا ما بطينا، صلينا على الهيلوان، هيلوان الشكشكان. وشمت رائحة السجور، سجور الشيح وقصب نبتة القطن، تملأ المنحدر الصاعد الى بيت هنوف، ورأت جريد النخيل عندما رفلـت برأسها الى أعلى العلوة، علوة الدير، ثم كانت النخلة واقفة في الوسط، كفتاة انتهت توا من الرقص فانتشر شعرها وتخضبت وجنتاها، تتمايل بجذعها هوينى كيلا تقف عن الرقص الذي أوقفته بجسدها، بينما ظل يتردد في أعماق كيانها دونما نهاية، لقد دفعت بابها الذي شرع يصر خارجاً عن محوره ووصلت مع لهاثها المتباطئ الى هنوف النجم بعد ان عبرت الفناء وتركت الباب مردوداً دون رتاج.
وسمعت وهي في فناء الدار، صوتاً يخرج من الغرفة، يؤكد للثاني: ترشينه ليلة البدر، قبل ما تنامين معه. وأجابتها الثانية: وكاد يا شيخة ما أنسى. ولاحت لها في باب الغرفة، متأبطة صرتها تحت عباءتها، تتأهب للخروج. واختلجت هدلة حين التقت نظراتها السديمية بنظرات المرأة العابرة. أرادت ان تتوقف وتلتفت، لتطابق صورة السنوات الماضية. لكن الأخرى مضت، وراجعت هدلة في مسامعها الصوت: وكاد يا شيخة ما أنسى. فتبين لها انها هي. ولما لمّحت للعجوز المحنية التي قامت لملاقاتها، عرفت منها ان هذه المرأة كانت عندها منذ الضحى. ولقد جاءت من العلوة، بقصد معالجة زوجها وطرد الوسواس من صدره، قالت: مسكينة صار لها زمان متزوجة، زوجها ما يفعل معها شيء، الزلمة مرصود، والعلوة ساحراتها كثيرات، يرصدن النملة ما تتحرك. وأردفت بعد قليل: مسكينة هذه المرأة، العمل مدفون في قبر ميتة، ماتت يوم ولادتها، لكن بإذن الله إلها فكة.
وأكدت هنوف لهدلة، انها المرة الأولى والأخيرة التي تزورها فيها، قالت هنوف: انشاء الله ما تعودين ثانية يا أختي، لأن ابنك سيكون طبيعيا وزلمة قد الكيف، هناك رجل في ضوء القمر على حصانه، بالقرب من الضفة، يساعده كثيرا، ويسلم، وراح يفك الحصار، بس هسع شوية ملتبك، باكر يطلع منها بإذن الله. وفي زمن تلوح له امرأة تشغل باله، فتكاد تهد كيانه، غير ان حركة من أصبعه، فلا يرفع عينيه الا وهـي في أرض الشارع، عارية زرقاء بجسم ميت، وفي الأزقة الكثيرة يحودونه، فيمنعون عنه الطريق، وهذا ترياق لوقت المحنة يشربه تراه زين. وقالت أخيراً: اطلعي يا اختي، ابنك ما به شيء، اتركيه لشأنه، ما به شيء، بس الجايات على الناس، مه بس عليك، أعظم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhawwaij.ahlamontada.com
 
صدى الزور البعيد ... الفصل 16
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صدى الزور البعيد .. الفصل ( 19 )
» صدى الزور البعيد ... الفصل 17
» صدى الزور البعيد .. الفصل ( 18 )
» صدى الزور البعيد .. الفصل 13
» صدى الزور البعيد .. الفصل 12

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الحوايج :: الفئة الأولى :: منتدى الادب والثقافة-
انتقل الى: