الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
أخي الزائر الكريم,أهلا بك في منتدانا ,نحن سعداء بزيارتك ويشرفنا انضمامك الينا....وشكرا
الحوايج
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحوايج

هذا الموقع مخصص لاخبار قرية الحوايج التابعة لناحية ذيبان -الميادين -دير الزور
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صدى الزور البعيد ... الفصل الثالث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 631
تاريخ التسجيل : 01/12/2009

صدى الزور البعيد ... الفصل الثالث Empty
مُساهمةموضوع: صدى الزور البعيد ... الفصل الثالث   صدى الزور البعيد ... الفصل الثالث Emptyالثلاثاء فبراير 07, 2012 3:50 am

صدى الزور البعيد ... الفصل الثالث


الرجال الذين يأكلون العصيدة تحت شجرة زايد، هرعوا يتراكضون الى الصريع. وراء حامد كان خليل ثم حسن بن عبد الله ورداد الزغير، وظل عبد الله في مكانه يحدق الى منحدر العلوة، وقد اعترته حالة جمود. وحين استطاع التغلب على الوهن المفاجئ، رأى هدلة وخلفها جاسر ينظران من أعلى العلوة بتساؤل، ثم ينطلقان، جاسر وتتبعه هدلة، وخلفها بعد زمن قصير فاطمة، تريد أن تطير وهي تحمل طاسة الخرعة.
هبطا العلوة، يعتريهما شعور بالخراب. سمع جاسر همهمات أمه الفزعة وراءه: يا ويلي يا ابني، انهدم بيتك يا هدلة. وشعر وعيناه تكاد تثقبان السدة، لتريا ما حل بأخيه، أن هدلة على علم بمصاب ابنها. اخذته قبل ايام الى الشيخ مزعل، حين عادت نوبته مرة ثانية، كان هناك عايد وعبد الله ومعهما جاسر، قال الشيخ مزعل بتحفظ: اذا تكررت هالشهر أكثر من ثلاث مرات... أخاف على الوليد. وتذكر جاسر أيضاً تعابير وجه أخيه عصر ذلك اليوم، حين خرجوا من البيت، وقطعا الدربة الأولى، عندها حاول محمد ان يتجه بمفرده الى الخان بعد أن أومأ لأخيه بالذهاب الى بيت خاله عايد كما أوصته هدلة، أدار جاسر ظهره الى حيث تنحدر الطريق قليلاً، الا أن النظرات الأخيرة التي ارتسم بها وجه أخيه جعلته يعود إليه بعد خطوة أو خطوتين. كان محمد شاحباً مغمض العينين، وبدأ يتهاوى ويده على قذاله، وقد استطاع جاسر أن يسنده قبل أن يسقط، أشار محمد بيده الى الحائط، فعادا قليلاً الى الوراء، وأمعن النظر في وجهه الأسمر، ودّ وقتها لو أن عينيه تشعان شفاء وحياة، كما سمع مرة من جدته وزنة الخضر عن أحد المتعبدبن الذين وهبهم الله قوة الشفاء بالعين. وكانت عيناه مزمومتين وهو يهبط العلوة، ضمهما بقوة حتى يفتح بهما حجاب السدة. واستمر يجري، خلّف هـدلة وراءه، قفزاته تطاولت. وهو يهبط لمح وجه كدرية ممتلئاً في قبة الأفق، شاردا متسائلاً، كأن عينيها مخضلتان. وسمع صوت أبيه:اتركوه... وسعّوا للهواء .. ابعدوا .. ثم وصلت هدلة، وبعدها فاطمة تحمل طاسة الخرعة المزركشة بسورة الإخلاص، فأخذها رداد وملأها من ماء النهر، ثم وضع رأس محمد بين يديه. وارتجف جاسر، غص بالعبرة ثم انطلق يعوي كحمل جريح. قال أبوه: ابعد .. وتبكي مثل البنية!

عصر ذلك اليوم سألت فاطمة محمدا، فقال لها: لا انشاء الله زين، يمكن شفيت، إني هسّع أحسن يا فاطمة. ثم تابعت بعد صمت، عندما لحظت حمرة تفور على وجنتيه: تراك قطعت قلوبنا. وهمست: خوفتني يا محمد.

في المساء غص البيت. جاءت الجدة وزنة، وكان عايد الخضر هناك أيضاً، ورداد وأمـه عطشة الذياب عمة عبد الله، والرجال الذين بنوا السدة، وكان حسن ودحام يتهيآن، بعد أن اصطادا عشر سمكات كبيرات، للعودة. فجهزت هدلة قدر النحاس الكبير، وساعدتها خود، أما النساء الباقيات فقد عجن طحين القمح لخبزه في تنور في زاوية الحوش اليمنى.
أفاق محمد ضحى اليوم الثاني، مشرقاً فواحاً، أمامه العالم منفتحا متكاملا. وخياله ينمو في ارض قريبة من صدره. وألحّت عليه فكرة أن فاطمة من روحه، بها يشبك الليل بالنهار، كف الحياة بالزمان – أغمض عينيه فناولته زجاجة مسك، وتدفقت أشعة الشمس من فرجة الباب.
تمطى وباعد يديه، ثم فتح صدره للصباح. ومع أنه سمع من يبنون ويعملون في سدة الساير، لكن نفسه ظلت طيبة حنون. السريان الطيب جعله يغفر لكدرية. تصور في استحالة أخرى أنه يسير خلفها، ذلك حين تركت السدة وغابت في بستان عبد الله. وكانت بهمة ضبع وقلبها يعزف. وتساءل قبل ان يدخل البستان، لماذا عادت قليلاً الى الخلف ثم توارت خلف شجرة النخيل؟ فخلع نعليه المصنوعين من جلد الماعز، وكتم انفاس صدره ثم لوى طريقه بين الشجر. كان كالهمسة فلم تسمعه كدرية، فأصاخ سمعه وراح يتنصت: تذكر يوم قالت له كدرية: قلبي مه لك... ابعد. عندها ابتعد ونأى، أسرع الى الحويجة، فرمى عليه لباسه، ثم تظاهر بعدم الغضب. راح يسمع من خلال الأشجار وقلبه حنق، سمع صوتاً خفيضاً، بينما كان وراء البستان ثم آهات، وأخذ يحدق في جذع الشجرة الملتوي. من؟ سأل نفسه، من؟ لو لم يكن هذا الوقت في هذه السنة، ولو كان الوقت منذ سنتين، ولو كان المتلصص غيره، حينها لقال: انه محمد .. ومن غيره معها في هذا الوقت.
لكنها انتبهت، رأت بعيني قلبها أحاسيسه وهي ترقبها، فتملصت من يدي خليل، دفعته في صدره، فارتمى على الأرض. قالت بصوت عال: تفو عليك... عجي. الا أن محمد كان قد مضى. لقد تراجع والغضب يتوزع في نفسه، قال: وَلْ هذه مثل أمها... تعطي مَيها لكل سابح، عوذة منها عوذة. عاد الى السدة.
ونفض عنه النوم. وقف بباب الغرفة يتأمل النهار يرتفع، نظيفاً ناصعاً، كانت الأشياء قد بدت وكأنها ولدت من جديد.
هـذا التحول في قريرته لم يكن فقط من الحوادث التي وقعت في البستان، أو على السدة، بل ذهب الى ايام الطفولة، يوم كان ولداً، عندما نهره أبوه حين كـان مـع تاضي ابنـة رداد الزغير وهـما يلعبان (بيت بيوت) تحت قبة غرفة المؤنة في طرف الحوش. أرادا في ظهيرة ذاك اليوم أن يمثلا دور العريس والعروس، كهجان وسروة اللذين تزوجا منذ أسبوع. لقد سأل أمه ليلتها عن الزواج وعن هجان، ولماذا تترك سروة أهلها وتذهب الى بيت أهل هجان. فبينت له هدلة وهي تمسد حاجبيه، ان الرجل يتزوج لأنه يحب زوجته، ولكي ينجب الأطفال. وفي الغرفة المغلقة، حين دخل هجان على عروسه، تخيل محمد الرحبي ان أول ما يقوم به هجان هو تقبيل سروة، يحبها من خدها ومن يديها، قال لتاضي ذلك داخل غرفة المؤنة، ثم ينام الى جنبها في فراش واحد لينجبا أولاداً. وقد نهره أبوه إذ رآه مستلقيا بجانب تاضي داخل الغرفة، قال له ابوه: يا ول .. قليل الحياء، اطلع. وأردف: إيش تسوي بالبنية...يا ما تستحي. وفي إحدى الليالي، نام محمد متأخراً، في ضوء القمر، وسمع أباه وهو يندلس في فراش أمه، بعد انحلال جمع الرجال على الأسطحة المجاورة، وافترض بمضي الوقت أن الصوت الذي سمعه جاء من والدي فاطمة، عن نومهما العميق وما يرافقه من أصوات، كان يسمعها أحياناً من عبد الله أثناء نومه، كأن ينادي أو يدمدم... يتأوه بوجع وحرقة. وظل يوزع ناظريه في قبة السماء المضيئة الى ان سمع همهمة ثم حركة صادرة عن أبيه في الفراش. أصاخ السمع وأرهفه على الحركة القريبة منه، فالتقطت أذنه ضحكة جنين لهدلة، ثم أعقبها صوت كفرقعة بالون صغير، أغمض عينيه وانكمش على وسطه، وعلم من فحيح اللحاف انهما غير نائمين، هدلة وعبد الله يتجارزان، فأطل بعينه اليمنى على اللحاف الآخذ شكل قبة، واستطاع تمييز يد هدلة تضغط على رأس أبيه، ثم تشد اللـحاف قليلاً الى الأعلى.
ظلت هذه الواقعة وما تلاها تلاحقه. وإذ يذكرها تخرج دخيلته السوداء فيزحر بحرقة، وصمم في آونة الشباب أن يبتعد بفراشه عنهما، الى المكان لا يسمع شيئاً أو يرى. ولقد كره القمر ولياليه المضـيئة. كان ينظر الى وجهه في وسط السماء، فيجده بعين واحدة، يسطع على العالم. وتحدث مرة الى نفسه: لماذا يقوم النهار إذا كان الليل هكذا مضيئاً؟ شعاع الشمس ينطمس في النهر ويغيب كي يخرج منـه القمر النائم.
ضحى اليوم انفرط البغض القديم، تبعثرت حباته السوداء، مر شريطاً من صدى في ذاكرته. خرج من باب الغرفة الى وسط الحوش. فرقع فقرات ظهره، وخمن الحقيقة التي افترضها حلماً: لم يستيقظ على طيف عبد الله، لقد كان حقيقة فوق رأسه، يتفحصه بدقة، وقد عاد عبد الله قبل أن يستيقظ ابنه بقليل، عاد ليقول لهدلة: إن ابنها ما زال نائماً، وجهه مثل ورد الختمية. وأثارت الحركة في المطبخ سمعه. هنالك عبد الله يطلب من هدلة. وارتفع صوت هدلة المبتهج: ابعد يا بو محمد .. لا يجي أحد. ثم تنامى الى سمعه الاضطراب والمشاركة، مزيج الخلق: دير بالك.. الباب مفتوح. لا تخافي. كان أبوه مطمئناً، فلم يكن أحد في البيت، جاسر خرج مع حسن، وخود تسللت الى سدة الساير، وكان الباب مغلقاً، أغلقه عبد الله. فعاد محمد وقلبه يخفق بشدة، ابتسم لصوت عبد الله، أحب هدلة المختلطة مع زوجها، ود لو يقف هناك ويتمثل الصورة في الحياة. عاد على رؤوس أصابعه، دخل الغرفة، اندلس في الفراش وأغمض عينيه.
حل الليل وتوسعت السماء في ضياء القمر الغريب، انفتحت في سقفها أبواب كثيرة، حادة. كان جاسر يعلم أن أشياء جديدة ستحدث، فهدلة أكدت له ذلك. ووقف وسط الحوش، وحيداً تحت السماء المضيئة، وأمعن النظر في سطوع القمر الغاوي. لأول مرة يرى مثل هذا الضياء، تذكر القمر وشكله في الليالي السالفة، فأيقن أن السماء وقمرها جديدان، لا مثيل لهما. نادى بصوته، فخرجت هدلة. قالت: ما هو سوى هالة، القمر مهيّل السنة يا جاسر.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhawwaij.ahlamontada.com
 
صدى الزور البعيد ... الفصل الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الحوايج :: الفئة الأولى :: منتدى الادب والثقافة-
انتقل الى: