من الفطرة التي خلق الله عليها المرأة أن تكون أنثى رقيقة المشاعر رهيفة الأحاسيس، ضعيفة البدن، تقطر نعومة ودلالا.. أما الرجل فيكون خشنا في ملمسه وجلده، قوي المشاعر وصلب الشكيمة، لكن أحيانا يتحول الكائن الأنثوي الرقيق والناعم إلى شبه رجل في تصرفاته وقوته وإرادته، فتكون مسترجلة في شتى مناحي حياتها.
مطلقات مسترجلات
وفي الدول العربية ـ كما في كثير من البلدان طبعا ـ توجد مسترجلات كثيرات، غير أن استرجالهن لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة أسباب عديدة حيث تجد المرأة تسترجل بسبب طلاقها، فالطلاق يضطر المرأة إلى أن تلعب دور الأم والأب في الآن نفسه حتى لا يشعر الأبناء بأي نقص بسبب غياب الأب، سواء النقص العاطفي أو الدعم المادي. وفي غمرة انشغال المرأة في تعويض أبنائها ما نقص لديهم من حنان ومشاعر الدفء الأسري والتوازن النفسي والمدخول المادي أيضا، تجد نفسها قد فقدت كثيرا من مقوماتها كامرأة أنثى وعوضتها بسلوكيات رجالية ذكورية محضة حتى تظل مقاومتها وكفاحها شعلة يستدفئ بها أبناؤها وتسير سفينة الحياة بلا عراقيل رغم انسحاب الزوج من هذه السفينة.
وهذا التغير في طبيعة المرأة من الأنوثة الفياضة المسالمة إلى الاسترجال والاستخشان يفرضه أساسا واقع المجتمع وميولاته الذكورية الواضحة، حيث إن المرأة إذا لم تسترجل وتقف ندا للند أمام الرجل في معترك الحياة، لن تفلح وستظل ذلك الكائن الضعيف الرقيق؛ فاسترجالها يحميها من استصغار الرجل لها أومن نظرة المجتمع إليها.
أرملات مسترجلات
بوفاة الزوج، فقدت السيدة حليمة معيلها، ففقدت معه الركن الرئيسي بيتها، فلم تجد أمامها سوى أن تغير من طبيعتها الأنثوية لتسترجل لعلها تصنع لنفسها مكانا في المجتمع.. لهذا لم تتردد لحظة واحدة في قبول وظيفة جمع القمامة التي تتطلب جهدا وصبرا كبيرين، خاصة أنها تعيل أسرة تنتظر كل مساء كسرة خبز ولقمة عيش ليستمروا في هذه الحياة.. وكثيرات هن الأرملات اللواتي يلجأن إلى أعمال رجالية لسد رمقها ورمق أبنائهن بغية تربيتهم تربية حسنة تماما كأن أباهم كان موجودا.
ضعف الزوج
حين يتخلى الزوج عن وظيفته كرجل ورب البيت وقوام على الزوجة والأسرة، فإن هذه الزوجة تجد نفسها مجبرة على أن تصبح هي الرجل الحقيقي في البيت وخارجه. وهناك نساء عديدات استرجلن ونزعن عنهن ثوب الأنثى لأن أزواجهن ضعيفو الشخصية وعديمو الإرادة والقوامة، فكم من امرأة ارتبطت بزوج فاجأها بأنه لا يملك من الرجولة إلا الاسم أو بأنه فضل المكوث في البيت بلا شغل، مما يحتم عليها وهي مرغمة أن تلعب دور الرجل خارج البيت بالعمل المنهك وأحيانا المجحف في حقها، وتقوم بدور الرجل أيضا داخل البيت من حيث تسيير شؤونه ومراقبة الأبناء ومتابعتهم والحرص على سلوكهم وتوجيههم.
وسط الذكور
وجميع الحالات السابقة من طلاق ووفاة الزوج أو ضعف الشخصية هي حالات تفضي بالمرأة إلى أن تصبح مسترجلة، فالاسترجال في هذه الحالات ليس فطريا مع المرأة، إنما هو مكتسب إذ تجد المرأة نفسها مسترجلة قصدت ذلك أم لم تقصده.. لكن هناك من الأسباب المفضية إلى استرجال المرأة ما يرتبط بتربيتها ونشأتها داخل أسرتها، فأحيانا تترعرع الفتاة الصغيرة وحيدة في أسرة كل أفرادها ذكور، تضحك معهم وتشاركهم أفراحهم وأحزانهم وتتشبع بسلوكاتهم وتصرفاتهم، سيما إن كان إخوتها كلهم ذكور وهي الصغرى، فالقدوة لديها سيكون في أحد إخوتها، ومع مرور الزمن تترسب في شخصيتها القيم والحمولات الذكورية الرجالية، فتصير لصيقة بها في حليها وترحالها وحركتها وسكونها