على أرض المطار.. انتهكت المدينة الفاضلة!!

Admin عدد المساهمات : 631 تاريخ التسجيل : 01/12/2009

لن تصدقوا هذا.. يجب ان تروا معي كم المنظر خلاب من هنا، أقف على درج الطائرة وأرى الأفق العظيم الصافي رقراقاً كما لم أره من قبل، خطوت أولى خطواتي على ترابه الخام المشبع بالانتماء وحب المواطنة فسرت قشعريرة الماضي في جسدي وانبثقت الجذور العطشى من قدمي تضرب في أعماق الأرض، نعم، إنها أرضي وهذا أفق بلادي وهذا ترابه الحبيب.
سحبت حقيبتي المدولبة وسرت سريعاً لألحق بقلبي الذي سبقني بخطوات، وخيالاتي ترسم لي كطفل من المدينة الفاضلة كل ما هو جميل ومثالي ومفرح.. نعم، فقد وصلت موطني.. هل تدركون ما معني موطني؟؟
دخلت صالة المطار وتأملت زواياها وكل شبر فيها وتفرست في وجوه المسافرين علّي أنقل فرحتي إلى كل من تقع عيني عليه.. ولكن، لفت نظري عند زاوية الصالة عائلة أجنبية مكونة من أربعة أفراد منهمكين في سؤال موظف مرتبك وعلامات الحيرة بادية على وجوههم، رأيت أن أذهب وأعرض خدماتي على الأسرة وأنقذ الموظف من ارتباكه.. تبادلت مع الموظف بضع كلمات ثم توجهت نحو كبير الأسرة سائلاً إياه:
- عذراً سيدي، ولكني أراكم في حيرة من أمركم، هل يمكنني المساعدة؟!
- شكراً، في الحقيقة كنا نسأل الموظف عن منظر غريب شاهدناه في البهو الداخلي!!
- منظر؟!.. أي منظر؟
- رأينا عشرات الرجال والنساء والأطفال مستلقين على أرض صالة المطار الرئيسية في منظر مضحك وغريب في الوقت نفسه.. فالمقاعد كانت كلها فارغة!! وبصراحة كنا مستمتعين بتصوير المشهد بينما قاطعنا هذا الموظف..
- (قاطعتهم قائلاً): "تيك إت إيزي" (على رسلكم)، ليس من عادة زوار المطار الاستلقاء أرضاً في قاعات المبنى.. فليس مسموح بهذا في المطار أصلاً!!، ولكن هذا الانحراف المؤقت هو من قبل مجموعة مسافرين من إحدى الدول الشرقية تأخرت رحلتهم لأربع ساعات فقط!!، فبادئ الأمر كانوا جالسين على المقاعد وانتهى بهم الانتظار الطويل على الأرض!! هذا كل مافي الأمر، فلا أعتقد أن جلوسهم على الأرض كان تقصداً لكسر قواعد المطار أو أنه من تقاليد وعادات بلادهم أو بلادي"ههههه"..
(تبادلت الكهكهة مع كبير الأسرة ثم قال Smile

- ليس منظر الاستلقاء هو وحده ما كنا نناقشه مع الموظف، وإنما هناك مشكلة أخرى أهم تتعلق بخطأ في جواز سفر صغيري "تيمي" ولولاها لكنا في فندقنا من أكثر من ساعتين!! كنت أحاول أن أفهم عين المشكلة من هذا الموظف ومن غيره ولكن دون جدوى.. فالمشكلة غير واضحة أساساً لهم.. أو أنهم لا يفهمون الأجنبية؟!!.
- إليّ بالجوازات كلها وبجواز الصغير "تيمي" لأرى ما المشكلة.
ذهبت إلى موظف محترم عند إحدى الكوات وأعطيته الجوازات كلها وكلمتين صغيرتين و(الذي فيه النصيب)، ولم تمض خمسة دقائق إلا وكانت الجوازات مختومة في حجري مع ابتسامة (مع السلامة).
عدت إلى الأسرة وعلى وجهي أمارات النصر والنشوة تغمرني لأني سأعطيهم صورة حسنة عن لهفة "ابن البلد" وحبه لمساعدة الضيوف، وكم أن معاملاتنا سلسة وروتيننا بسيط وبأن المشكلة لم تكن إلا سوء فهم لغوي فقط.
أعطيت السائح الأكبر الجوازات وأخبرته بأن أموره نظامية ويمكنه المغادرة دون مشاكل، طبعاً لم أذكر له موضوع "الذي فيه النصيب" المدفوع!! وتابعت معهم إلى الخارج وسلّمتهم لسائق عربة لينقل لهم حقائبهم نحو سيارة الأجرة وعدت أدراجي..
سرت بضع خطوات ليتناهى إلى مسامعي صوت "صد ورد" بين العائلة وسائق العربة الذي يريد تقاضي 2 دولار أجرة نقل الحقيبة بينما التعرفة مكتوبة صراحة 1 دولار فقط؟!.. قلت للعائلة أن يتنحوا جانباً لأحل المشكلة على طريقة "أبناء البلد"..
- مرحباً يا حبيب
- هلا
- لماذا تريد تقاضي ضعف الأجرة ونتف ريش هؤلاء السياح؟!، لماذا تعطي صورة سيئة عن بلادك يا أخي، هل تعلم بأني منذ الصباح وأنا أحاول أن أرتق الشروخ التي رأيتها هنا حتى لا ينظر أحد من السياح إلى بلدي نظرة سوء ولتبقى بلادي وجهة لسياح العالم وقدوة في حسن التعامل وشهامة الشعب.. ذق على دمك وبلا فضائح؟
- لا، ادفع 2 دولار أو احمل الحقائب على ظهرك، وإن لم يعجبك.. اشتك.
عدت إلى الأسرة وأمارات النصر بادية على محياي، وابتسامتي العريضة طمأنتهم بأن الأمور على ما يرام..
- لا تقلقوا، حُلت المشكلة. فالشاب كان يفاوضكم على نقلتين وليس واحدة.. هذا كل ما في الأمر.
نقلوا حقائبهم وودعتهم ودفعت الفرق للشاب اللئيم الانتهازي ابن الـ... وحمّلت حقائبي أنا الآخر وعيناي مغمضتان على آخرهما، فلم أعد أريد رؤية شيء أبداً حتى أصل داري.. فالمنظر لم يعد خلاباً على الإطلاق بعد أن قتلت براءة المدينة الفاضلة، والأفق الصافي لم يعد كذلك بعدما عكرته النفوس الجشعة اللئيمة الجاهلة والأنانية، والتراب الخام لم يعد بكراً على الإطلاق في نظري.. فقد استبدلت حصواته الطاهرات بأجساد أناس هانت عليهم كرامتهم وعزتهم ورضوا أن يكونوا مداساً لغيرهم دون التراب.. دمتم.

» نتائج تعداد السكان والمساكن لعام 2004 على مستوى المدينة / القرية