االسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت وما أزال حذراً جداً حيال الكتابة عن الأم، ولي في هذا رأي لا أتراجع عنه، وهو إما أن تكتب شيئاً بمستوى: ( وغطي عظامي بعشب تعمّد من طهر كعبك )
أو أن تضع قلمك جانباً، وتكتفِ بتقبيل يدي والدتك. وأتعجب جداً من أولئك الذين يصرون في كل 21 آذار أن يجودوا علينا بوصف الأم بمصطلحات استهلكت لدرجة أن مجرد ذكرها أصبح يقلل من قيمة المناسبة - بالنسبة لي على الأقل - هذه المصطلحات من قبيل: ( يا نبع الحنان.. يا نهر المحبة.. يا بحر الإنسانية )!
ما سبق من وصف يصلح بكل تأكيد لمقالة، لكن ودون أدنى شك ليس عن الأم، وإنما عن أنواع المسطحات المائية.
الكتابة عن الأم فيه من الخطورة والحساسية ما يجعل أي كاتب مرتبكاً من مجرد التفكير بالمحاولة، فالكاتب هنا لا يكتب عن والدته، ولا حتى عن ملايين الأمهات، بل يكتب عن مقام.. عن منزلة.. عن التي إن ارتفعنا ودخلنا إلى الجنة، فسنكون في مكان ما تحت قدميها.
لذا خطر ببالي أن ألتف على الموضوع وأتناوله بطريقة مختلفة، بعيدة عن الوصف وعن شخصنة الحالة، وأن أطرح مجموعة من الأسئلة عليّ أنا أولاً، وعلى بقية الأبناء ثانياً، وأعتقد أن الإجابة عليها ستكون كفيلة بتحديد نسبة رضانا عن تصرفاتنا اتجاه أمهاتنا.
كم هي المدة التي نخصصها للجلوس مع أمهاتنا والاستماع إليهن؟
هل يخطر ببال أحدنا أن يقول لأمه ( شكراً ) كلما وجد طعامه جاهزاً أو ملابسه نظيفة؟
هل صادف أن ترك أحدنا والدته ومشى قبل أن تنهي حديثها؟
كم مرة تكتشف الأم بعد أن تنهي مع أحد أبنائها حديثاً طويلاً أنه لم يسمع منه شيئاً، ولم يعرها أي اهتمام، ومن ثم يطلب منها إعادة كل ما قالته ولمرات كثيرة؟
هل نجبر أمهاتنا أحياناً على الكذب لنتهرب من موقف ما أو من شخص ما؟
إن لم يكن الطعام على هوانا، هل نكتفي بأكل غيره؟ أم نملأ البيت صراخاً وتذمراً؟ وننسى أن الواجب هو شكر هذه الوالدة على تعبها بدلاً من الصراخ عليها؟
إن فرض التعب والإجهاد على الأم أن تكون عصبية قليلاً، فكم نسبة الذين يعذرون عصبيتها؟ وكم نسبة من يقابل هذه العصبية بعصبية أكبر؟
وأسئلة أخرى كثيرة سيسألها ويجيب عنها كل مقصر بحق أمه بعد أن يقرأ الأسئلة السابقة.
فيا من يجلس بقرب أمه:
هناك من يتمنى مقايضة سنوات من عمره مقابل ساعة واحدة يقضيها مع أمه لتعويضها عن بعض التقصير، فلا تكن مثله..
وهناك من يتمنى لو أن لسانه قطع قبل أن يصرخ بوجه أمه فلا تكن مثله..
وهناك من فضّل فلاناً أو فلانة على والدته، أو صدقهم وكذبها، وندم لدرجة أنه كره هؤلاء الأشخاص رغم قربهم الشديد منه فلا تكن مثله.
أمي:
سامحيني لأني لست محمود درويش، ولا أستطيع أن أقول لك شيئاً مثل:
( عساني أصير إلهاً.. إذا ما لامست قرارة قلبك )
لكني - والله يشهد - لو مشيت في محبتي لك كل عمري، فإني لن أصل إلى آخرها، وأقتبس ما سمعته مرة في حوار جميل:
سامحيني على ما فعلته، وكان علي ألا أفعله، وعلى ما لم أفعله وكان علي فعله.
وسامحيني على ما قلته وكان علي ألا أقوله، وعلى ما لم أقله وكان علي قوله.
أمي: اعذريني... فهذا ما أستطيع قوله فقط.