المــوظــــــــف من ديوان السقوط الى الأعلى منقول

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه القصيدة الجميلة أتمنى أن تنال أعجابكم

المــوظــــــــف


أوصيتـــه لـيتنـــي ما كنـــــت ابتـــدر
أنـــي أكــاد لمــن أوصيــت اعتـــــذر
نصحتــــه - ولوجـــه الله – قلـت لــه
إن الوظائــف فيهـا المــرء ينستــــــر
يؤتــــى لــــه راتـــب يكفي معيشتـــه
كمــــا يوافـــى بتعويــــض فيدخـــــر
وقـــد يكـــون لــــه فــي شغله فـرص
أو في لجان الشـراء الحــظ والقـــــدر
وقــــد يرقــــى فيعلـــو فــي وظيفتــه
شأنـا فيغــدو عليــه المــال ينهمـــــر
رئـــيس شعبــــة ترخيــص يعيـــن أو
أميـــن مستـــودع ضخـــم فيحتكـــــر
أو فـي الكـشوف علـى الآبار صنعتــه
يجبـــي مناصفـــــة أرزاقـــــــــه درر
أو فــي الرقابـــة والتفتيــش حوزتــه
جـــاه ومــال وبيـن النــاس معتبــــــر
مـــرت سنـــون وذا المسكيـن ينتظــر
وكــل يــوم يمـــر المـــر والكـــــــدر
فـــــــويق كــرسيه يجتــــر حســـرته
والنفـــس ظمأى بنار العوز تنصهـــر
وفي الجـــوار زميــلُ ُ دون خبـــرتــه
يصــبّ ضــحكتـــه كالمــزن تنـــــهمر
حبيـــس زنزانــــة مـــلأى خزائنهــــا
صحائفــاً فارقـت احضانهــا الصــــور
يـوم المعاش تنادى الأهــل واجتمعـوا
في هـدأه الليـــل حين السـر ينذكـــــر
أم العيـــــــال وإيثـــــــــار بلهجتهــــا
قالــت وقائمـــة الحــاجــات تنفجــــــر
هذا المعــاش علـــــى الأولاد ننفقــــه
ضاقــت ملابسهــم أولادنــا كبــــــروا
عدنــــان بدلتـــه أزرارهـــا قطعـــــت
وهنــد تمشـي وفـي جلبابهـا قصـــــر
أعــــادت القـــــول مـــــرّات مـــعددة
والصمـت يغلـب والحسـرات تستــــعر
ماذا يقـــول وقـد ضاقـت بـه الحيــــل
الديـــن يطلــــب والديّـــان ينتظـــــــر
تجادلــوا بينهـــم واستغــرق الجـــدل
وفاض عـن ملتقـى إسماعهـم خبـــــر
ألــف وبضـع مـن الليـرات قـد بقيـــت
قوتــا لعيـش جفـاه الدهن والزفـــــــر
قالت وما كتمــت ســــرا يساورهـــــا
الزوج قال: بلـى والصوت منكســـــــر
لـو يرفع الراتـب المقطــوع يا أمــرآة
لنــا بشـــيء مــن التدبيـر نقتـــــــــدر
فالبيـت ما أكثـــر الأشيـــاء تنقصــــه
والعيـــش إلا قليـــلا كلـــه كـــــــــــدر
فالزيـــت والملـــح والصابـون والبـن
والخسّ واللفـت ثم السلق والجـتـــــزر
للخبز والشاي في الحسبان وحدهمــا
قـدر المعـاش فكيف العيــش يا بشــــر
ترقرق الدمع فــي عينيــه وانتثـــرت
لآلــئ مــن علـــى خديــــه تنحـــــــدر
تسيــل حتــى غدت للملــح مسبخـــة
وللأخاديـــد فـــي وجناتــــه حفــــــــر
فالعـوز في وجهـــه تتلــى علائمــــه
وبيته ما اشتكى من سقفــه المطــــــر
الريـــح تصفــر والظلمـــاء تغمــــره
لا كهربـــاء بـــــه قنديلـــــه قمــــــــر
تناسـل الفقــر فـــي أرجائــه كــــدرا
ولا يرى كامـلا فــــي غيـره النظـــــــر
يمشي وآمالــه فــــي دربـــه زمــــر
وبيـن أقدامــه مــــن بؤسـه صــــــور
يسترخص الفول حتى بــات مطعمــه
في الدهر فولا وفــي أحشائه حجــــــر
هذا المـوظف ما عـاد المعــاش لـــه
إلا علاجـــا لكـــــي يبقيــه يحتضــــــر

همسات للأستاذ جميل الهزاع